آب / أغسطس 2009   الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها    
   

السيد زرد

هـوان


  

إذ يقول لمرأته ، وما ينصتان لأصوات المارة التي تأتيهما عبر النافذة مشوشة وغامضة :

 

-  " لا تحزني ، غدا سأجد مخرجا ".

 

وامتدت يده تربت كتفها في حنان . ابتسمت له بانكسار ومواساة . قام ، أطل من النافذة . طالعته حياة مسائية لأناس لا يعانون مثل حالته . بصق ، واستدار.

 

- " غدا ، سأحاول في أماكن أخري ، ربما ... ".

 

تشاغلت بالصغير النائم بحجرها، واختنقت بالبكاء. رغب بالتياع في أن يدخن، وأن يدفع عن صدره وطأة الليل الرازح بلا انقضاء.

 

تمدد جوارها علي المرتبة المفرودة علي الأرض. تحاضن والمذلة متكورا علي نفسه، بينما الجوع ينهش آخر قواه. أدار وجهه تجاه الحائط. قال:

 

-  " رأيته هذا الصباح ".

 

أنصت ، لم تأته سوي أصوات الشارع. أكمل:

 

-  " كان يحمل أكياسا معبأة بالفاكهة والطعام "

 

تحلب ريقه. وقف. نظر نحو الصغير ونحوها. بدت ملامحها جامدة والصغير ساكنا . فكر أن يسألها عن مبلغ جوعها. مشي إلي النافذة .

 

-  " لم يكلمني ، لم يبد عليه أنه رآني ".

 

حدق في السماء المعتمة. انسحقت روحه تماما  وهو يشهد عود ثقاب يشعل به أحد المارة سيجارته. زفر. خبط إفريز النافذة. تنبه إلي أنها لم تسأله عمن رآه في الصباح. استدار. كانت ملامحها مازالت جامدة، بينما الدموع تهمي من عينيها. مال فوقها، تتناهشه قلة الحيلة والرغبة في التلاشي. مس رأسها بشفتيه الجافتين، وتناهى إلي سمعه صوت أقدام تصعد السلم.

 

تصالب بقامته العجفاء. تململ الصغير، وانقطعت دموع أمه. كان أمل ما يرتقي السلم نحوهم.

 

توقفت الأقدام في الطابق الأخير أسفلهم.

 

أحس – دفعة واحدة – بكل الإعياء والهوان. ارتمي علي المرتبة. اندلع في داخله التساؤل  " أين الله "، واستغفر في همهمة لا تبين، وراح يرقب الصرصور الذي يتسلق الجدار. تساءل في همود:

 

-  " هل لم يرني هذا الصباح ؟ " .

 

خفتت أصوات الشارع، والجوع في الغرفة توحش. تهاوي علي الفراش. طالعه فخذها المنثني عاريا وحيا. نظر إلي ساقيه العجفاوين. تحسس بأسي عضوه المنكمش. توجع – تماما – كامرأة. ابتهل أن تحدث معجزة. ماعت نفسه. غامت الأشياء أمام بصره. تساند علي الجدار. غادر الغرفة. لم يكن شاهرا سيفا، بل حاملا هوان رجل فقير .

 

 

 

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

عودة إلى صفحة الأدب

   

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ