الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها

تشرين أول/ أكتوبر  2009

   

حكمة حماري

أُبيّ حسن

   
 
 
 

 

فيما كنت وحماري نجلس تحت شجرة بلوط, نتقي بظلها شرّ الحرّ, طاب لي أن أتجاذب وإياه أطراف الحديث. وكان لي ما أردت؛ والشهادة لله كان حماري (كالعادة) عند حسن ظني, إذ وجدته (حفظه الله) حماراً نبيهاً رزيناً حكيماً في آن, كما سيتبين مما هو آت. وفي الوقت نفسه كان كريماً في حديثه والوقت الذي منحني إياه. وقد كان صدره رحباً إبان أجوبته على أسئلتي, على نقيض الكثير من الحمير التي تعج بها طرقات بلادنا, وبعض دوائرها من شغلة بعض كراسيها ومناصبها!.

من جملة ما سألته مايلي:

*هل ترون أنتم معشر الحمير أنكم أفضل حالاً منا نحن البشر؟.

**بداية لايحق لي الإجابة بالنيابة عن أبناء جنسي, ومن خلال حديثنا ستستشف لماذا أحرم نفسي ذلك الحق. حسب رأيي المتواضع أرى إننا نحن معشر الحمير أحسن حالاً وأنقى ضميراً وسريرة منكم أنتم مالكو العقول ومحتكروها.

  *كيف ذلك يا رعاك الله؟!.

** على الأقل نحن لانتصارع في ما بيننا من أجل لقمة العيش أو المناصب وما تبقى من سبل النعيم الزائل, ومقتنعون أشد الاقتناع بما وهبنا الله إياه من خير وافر في هذي البراري الشاسعة. ولكنّا أحسن حالاً ومآلاً وترحالاً, لولا استعباد بعضكم أنتم البشر لبعضنا نحن الحمير, وما ينجم عن مثل ذلك الاستعباد من ظلم يقع علينا. ناهيك عن تلويث بعضكم للطبيعة التي أنعم الله علينا بها, وما ينجم عن ذلك من أضرار فادحة تضرّ بغذائنا الذي نقتاته منها من دون منّة أحد.

 * أشهد انك حقاً قلت, فبأم عيني رأيت أبناء جنسك الكريم يعامل معاملة سيئة من قبل بعض أبناء جنسي الذين جلّهم يفضل القطط والكلاب عليكم. كما بأم عيني أرى كيف نساهمُ نحن البشر في إفساد الطبيعة والبيئة.

الحمار, بكبرياء وأنفة:

** ومع ذلك نحن قوم لانشكو همنا لأحد, فالشكوى لغير الله مذلة!.

* صدقت والله. ومن جهتي لايسعني سوى أن أشكر الله وأحمده كوني صادقت حماراً مثلك, واسمح لي أن أبدي اعتزازي بك وبنباهتك. لكن أخبرني ماهي الفوارق التي تراها بيننا وبينكم, عدا العقل الذي هو حكر لنا نحن البشر والذيل الطويل الذي هو من خاصتكم أنتم معشر الحمير؟.

** الفوارق كثيرة, مثلاً انتم عندكم التنظيمات والأحزاب والنقابات التي تدّعي أنها تدافع عن حقوق أعضائها ومتابعة شؤونهم, ومع ذلك القاصي والداني يعرف مآل تلك النقابات ولمصلحة من تعمل.. حتى حمير جبال تورا بورا باتوا يسخرون من نقاباتكم!. ولديكم موالاة ومعارضة, ويمين ويسار, ورجعية وتقدمية, إلى آخر ما هنالك من مصطلحات هي خاصتكم دوننا.

أشعر بالحرج, وأتابع:

* أنتم أليس لديكم شبيهها؟.

** شخصياً لا أحتاج إلى نقابة تقودني إلى المرعى, ولا إلى حزب يدلني على المعلف الذي هو هدفي وغايتي في هذه الحياة, إذ أعرف طريقي إليه جيداً. من ثمّ إن الله أغناني عن ملأ من قومي يدّعون التحدث بالنيابة عني وعن بني جنسي كما هي الحال عندكم معشر البشر. فضلاً عن أننا قوم نشتهر بعدم التحزّب أو التعصب سوى لأبناء جنسنا ولصديقنا الإنسان.

* تفعلون خيراً.

** الآن هل تسمح لي بسؤالك هذا السؤال البريء؟.

* بكل سرور!.

** هل أنتم معشر البشر مصابون بالضمور العقلي وبسلب الإرادة إلى درجة تحتاجون معها إلى كل هذه الأحزاب والتجمعات والجمعيات والمنظمات الخ... التي تتباهون فيها, والتي تدّعي جميعها أنها تتحدث باسم الشعب وتأكل باسم الشعب وتكتب باسم الشعب وتتظاهر باسم الشعب وتعارض باسم الشعب وتقوم بانقلابات باسم الشعب الخ.. ألا تعتقد معي انه أمر يدعو للغرابة فعلاً؟!.

* كيف؟!! وأين الخطأ في ذلك؟!.

** الخطأ هو أني لم أكن أدري أن بين البشر من هم حمير أكثر منّا حتى يحتاجون إلى كل تلك الأحزاب والتنظيمات والجمعيات الخ.. فقط لمجرد الادعاء أنها تمثلكم أو تتحدث باسمكم!, تصور يارعاك الله, عندما أريد أنا, وغيري من الحمير, أن أنهق لا أحتاج إلى أذن من أحد بمن في ذلك سيدي!.

بحرقة, وأنا أحسده على النعيم الفطري والغريزي الذي يعيش في ظله:

* ما رأيك أن نتبادل الأدوار؟

** كيف؟

*أن أعمل على تنسيبك إلى إحدى تلك الجمعيات أو المنظمات والأحزاب, وأن أصبح حماراً مكانك؟

** لست حماراً إلى درجة أقبل معها مثل هذا العرض!.

 
 
 

أرسلوا هذه الصفحة للأصدقاء


عودة إلى صفحة الأدب

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ

مدن محظورة   2009      modon net