أيلول / سبتمبر  2008

 


 

الخلافة الإسلامية في الخطاب الإسلامي المعاصر

شهاب الدمشقي


 

يخطئ من يظن ان التاريخ امر مضى وانقضى ، فالحاضر هو امتداد للماضي بخيره وشره ، وانتصارات اليوم هي انعكاس لانتصارات الامس ، وانكسارات الحاضر هي نتيجة حتمية لانكسارات الماضي ، ولذلك فان من لا يحسن قراءة التاريخ لا يحسن فهم الحاضر ولا الاستعداد للمستقبل.

من هنا تنبع اهمية اعادة قراءة التاريخ الاسلامي لاستخلاص الدروس والعبر ، وتزداد اهمية القراءة النقدية عندما يصبح التاريخ جزءا من مشروع سياسي يعتمد في جانب من خطابه على التاريخ كما هو الحال بالنسبة الى التيار الاسلامي.

بداية لا بد ان نؤكد على حقيقة هامة وهي ان التجربة البشرية في كل زمان ومكان هي مزيج من النجاح والفشل ، ولا تشذ تجربة الخلافة الاسلامية عن هذه القاعدة ، فهي تجربة انسانية بحتة اختلط فيها الخطأ بالصواب ، والرشد بالتيه ، والصعود بالهبوط والابيض بالاسود.

لا يستطيع احد ان ينكر الجوانب المضيئة في التاريخ الاسلامي وتجربة الخلافة - وما اكثرها - ولعل من اهمها التقدم العلمي ، والثقل السياسي الطاغي ، وجو الانفتاح الحضاري الذي طبع هذا العصر.

ولكن هذا لا يعني ان نغمض العين عن اخطاء تجربة الخلافة الاسلامية وانحرافاتها الخطيرة - وما اكثرها ايضا - !!

بالتاكيد نحن لسنا بصدد نقد تجربة الخلافة الاسلامية لمجرد النقد او فتح ملفات قديمة واعادة محاكمة التاريخ ، لا ، ان هدفي الاساسي والوحيد من هذا المقال هو مناقشة قراءة الخطاب الاسلامي المعاصر لتجربة الخلافة الاسلامية والتحقق من مدى عقلانيته وواقعيته .

يركز الخطاب الاسلامي وبشكل مفرط على الجوانب الايجابية في تجربة الخلافة ، وبقدر كبير من التنظير والتبسيط والمثالية والاختزال والكلام الانشائي ( وهي فنون يتقنها الاسلاميون جيدا !! ) تصبح تجربة الخلافة الاسلامية نموذجا واعدا للبشرية ودليلا على نجاح المشروع الاسلامي السياسي بل ومشروعية الدعوة اليه ، ( فقد حكمت الشريعة الاسلامية بلادا كثيرة واجناسا مختلفة وبيئات عديدة وفي عصور مختلفة وازمان متباعدة ، فكانت بلسما شافيا للناس الذين حكموا بها ، وعاشوا حياة هانئة راغدة ، ووجدوا لما يجد من الاحداث والمشكلات علاجا وحلا لها في هذه الشريعة الغراء ، ولقد نعم المسلمون وغير المسلمون في ظل الشريعة الاسلامية واحكامها بحياة سعيدة قرونا عديدة ) ( مفاهيم اسلامية للدكتور محمد عبد القادر ابو فارس : 89 )

وهكذا ... ( فعندما آمن المسلمون بالاسلام دينا ودولة ، ومصحفا وسيفا ، وتزكية وجهادا ، وعقيدة وتشريعا ، وصلوا الى قمة العلم والحضارة وذرى العزة والسيادة ) ( الشباب المسلم في مواجهة التحديات للدكتور عبد الله ناصح علوان : 170 )

ثم تُوظف هذه القراءة التاريخية التنظيرية لتجربة الخلافة الاسلامية لتسويق المشروع الاسلامي السياسي فيصبح الحل الاسلامي ( هو الحل الذي جرب في هذه الامة من قبل فاعطى نتائج باهرة وحقق نجاحا منقطع النظير ، وسعدت تحت سلطانه بالطمأنينة والعدل والاستقرار ، واطعمها الله به من جوع وآمنها من خوف .... ومن انكر هذا فقد كذّب التاريخ ونفى الواقع وحجد نعمة الله وتنكر لآيات الله ) ( الحل الاسلامي فريضة وضرورة للدكتور يوسف القرضاوي : 175 )

ترى .... الى اي حد كانت هذه القراءة عقلانية وواقعية ؟؟؟

ان تقييم اي تجربة انسانية سلبا او ايجابا يكون وفق معايير تشكل مقياس الرقي والحضارة ، وهذه المعايير هي ببساطة : الحرية والعدالة والمساواة وشفافية العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وتشكل هذه القيم الجانب الانساني للحضارة في مقابل الجانب المادي المتمثل في التقدم العلمي والازدهار الاقتصادي والثقل السياسي .

 

يضاف الى ما سبق بعد ديني خاص بتجربة الخلافة الاسلامية وهو تأكيد الخطاب الاسلامي على ان الشريعة الاسلامية هدي الهي سبق عصره بترسيخ قيم الحضارة والرقي ، وهذا ما يجعل محاكمة تجربة الخلافة الاسلامية بالنظر الى قيم الحضارة ومبادئ الشريعة مهمة صارمة وحساسة .

والسؤال الذي يفرضه العقل هنا :

هل صحيح ان تجربة الخلافة الاسلامية تمثلت احكام الشريعة الاسلامية ووضعتها موضع التنفيذ الحقيقي والكامل ؟؟؟؟

هل دولة الخلافة هي نموذج للدولة الاسلامية التي تعتمد الاسلام مرجعية عليا للدولة ؟؟؟؟

يجيب جميع الاسلاميين بمنتهى الصراحة والوضوح :

نعم .........

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : ( ان الشريعة الاسلامية كانت هي المطبقة، وكانت هي النافذة في سائر العصور التي تلت عصر الخلافة الراشدة ، فبقيت الشريعة الاسلامية هي النافذة في عصر الخلافة الامومية ، وظلت هي النافذة في عصر الخلافة العباسية ، وظلت نافذة في عصر الدول المتتابعة ، ثم ظلت الشريعة الاسلامية هي النافذة في صدر خلافة الدولة العثمانية الى عصر السلطان سليمان القانوني ) (يغالطونك اذ يقولون : 16 )

 

ويقول منير شفيق : ( لقد قامت دول الخلافة من الاموية حتى العثمانية استمرارا لدولة الاسلام الاولى التي بنيت على اساس الدين والشريعة اصلا ، فلم يستطيع حكم الغلب هنا او هناك ، كما لم يستطيع الخروج عن الشرع بهذا القدر او ذاك ان يغير من الاساسيات الاولى للدولة الاسلامية ، فقد بقي قانونها الاساسي هو الشريعة الاسلامية ، وحكم قضاتها من اهل العلم بين الناس على اساس الشرع ، وبيقي معيار الصواب والخطأ في نظر المجتمع يستند الى معايير الاسلام كاساس مرجعي في نهاية المطاف ) ( بين النهوض والسقوط : 128 )

اما محمد قطب فهو وان كان يسلم بوجود ( انحراف تدريجي عن حقيقة الاسلام في الفترة التي تلت الحقبة الراشدية ) لكنه يستدرك سريعا بالقول ( ولكن حجم هذا الانحراف يجسم عن عمد، ويكبّر حتى يملا فراغ الصورة ، ويصغّر الى جانبه او يخفى ما بقي في دنيا الواقع من معالم الاسلام الاصيلة لاعطاء هذه الايحاء المسموم في النهاية : ان الاسلام قد انتهى بنهاية عصر الخلفاء الراشدين ( او حتى قبل ذلك ) فلا فائدة ترجى من محاولة بعثه من جديد ) ( كيف نكتب التاريخ الاسلامي : 126 )

ولكن حتى هذا الانحراف الذي اقر قطب بحدوثه سرعان ما يهون من امره ليؤكد لنا بعبارات يتداخل فيها التنظير الايديولوجي بالقراءة السطحية بساطة هذا الانحراف !!! فيقول ( خلاصة القول اذن ان الهبوط عن مستوى الذروة لا يعتبر في ذاته انحرافا !!! وانما هو الامر الطبيعي المتوقع بعد غيبة الرسول وبعد ان ينتهي اثر النشأة الجديدة في نفوس الناس ، ولا يؤدي ذلك الهبوط الى انتهاء الاسلام من الارض ، فقد جعل الله في المستوى العادي للاسلام - اي الذي يلتزم بما فرضه الله فرضا ولا يزيد عليه - سعادة اهل الارض جميعا لو انهم اتبعوه والتزموا به ، بما لا يتحقق من اي نظام جاهلي ، وانما الذي يؤاخذ عليه بنو امية وغيرهم هو الانحراف عن هذا المستوى الملزم اذا هبطوا عنه ، وقد حدث هذا الانحراف بالفعل ، فما حجمه ؟ وما اثره في التطبيق الواقعي للاسلام ؟ يكفي ان نسجل فقط حركة الانسياح الاسلامي في الارض التي تمت على عهد بني امية لندحض كل وهم بان اسلام قد انتهى بعد عهد الخلفاء الراشدين ) ( المصدر السابق : 136)

اذن فقد كانت الشريعة الاسلامية مطبقة بشكل كامل وحرفي في عصر الخلافة ، فماذا كانت النتيجة ؟؟؟

هل اثمر تطبيق الشريعة الاسلامية مجتمعا عادلا ينعم بالحرية والمساواة والازدهار ؟؟

هل حقق تطبيق الشريعة الاسلامية حماية ارواح الناس واعراضهم واملاكهم ؟؟؟

بالطبع انا لا اقصد المجتمع المثالي الملائكي الذي يشابه جمهورية افلاطون ، انا اتحدث عن الحدود الدنيا للقيم الانسانية والحضارية ( الحرية والعدالة والمساواة والحضور الشعبي في مؤسسات الحكم ، وهي كلها قيم يشدد الاسلاميون على اصالتها واسلاميتها وحضورها الفاعل في النظام الاسلامي والتجربة الاسلامية ) ، فهل ضمن تطبيق الشريعة الاسلامية توفير هذه الحدود الدنيا ؟؟؟؟

مرة اخرى يجيب الاسلاميون :

نعم ...

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : ( ان الاحكام التي كانت سائدة في عصر الرسول وفي عصر الخلفاء الراشدين وفي العصور التي تلت ذلك ، كانت الاحكام الشرعية التي تنزلت من عند الله عز وجل ، وانها كانت تتجاوب مع مصالح الناس ، وانها كانت تحميهم من الشرور والاخطار ، وان هذا هو الدليل القاطع على ان الشريعة الاسلامية كانت صالحة للتطبيق لا في عهد ضيق محدود بل في سائر العصور التي خلت ) ( يغالطونك اذ يقولون : 15)

وفي كتاب آخر يطرح البوطي هذا السؤال الكبير : ( ايهما اقدر على رعاية حقوق الانسان : الله ام الانسان ؟؟؟ لعل التجربة التاريخية هي التي تملك الجواب القاطع عن هذا السؤال الكبير ) وبعد قراءة منتقاة للاحكام الفقهية النظرية وبعض المشاهد التاريخية المعدودة والاثيرة عند الاسلاميين ينتهي البوطي الى هذه النتيجة : ( لقد دل تاريخ الشريعة الاسلامية على انها كانت ولا تزال وافية بالحاجات الانسانية كلها ... فقد وضعت المساواة بين الناس موضع التنفيذ في ظل اول دولة اسلامية او مجتمع اسلامي في عصر الرسول ، واستمر سلطانها فيما بعد مع استمرار هيمنة النظام الاسلامي ) ( الله ام الانسان : 16)

ويؤكد الدكتور عبد الله ناصح علون هذه الفكرة بكثير من التبسيط والاختزال بقوله : ( لقد كان للمسلمين دولة اسلامية واسعة وعظيمة ، ونالوا المجد والعظمة والعز والخلود لأنهم آمنوا بالاسلام على انه نظام حكم ومنهج حياة ... لهذا كله انطلقت جحافلهم المؤمنة في ربوع الارض وآفاق الدنيا يمدنون الامم ويكرمون الانسان ويفرضون المعرفة وينشرون في انحاء المعمورة ألوية العلم والحضارة والمدنية ويطبعون في ضمير الزمان مبادئ العدل والحرية والمساواة ) ( الشباب المسلم في مواجهة التحديات : 169)

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي : ( الحل الاسلامي هو الحل الذي جرب في هذه الامة من قبل فاعطى نتائج باهرة وحقق نجاحا منقطع النظير ، وسعدت تحت سلطانه بالطمأنينة والعدل والاستقرار ، واطعمها الله به من جوع وآمنها من خوف .... ومن انكر هذا فقد كذّب التاريخ ونفى الواقع وحجد نعمة الله وتنكر لآيات الله ) ( الحل الاسلامي فريضة وضرورة للدكتور يوسف القرضاوي : 175)

ولكن الحقيقة التاريخية تتناقض بشكل كامل مع هذه القراءة التنظيرية !!!

تفيض كتب التاريخ الاسلامي بروايات مروعة دامية لضرب الاعناق وهتك الاعراض ، اذ كان بمقدور الخليفة ان يأمر بقتل من يشاء ولاتفه الاسباب دون ان يردعه رادع شريعة او خوف من الخالق !! ، فسلطان القتل والعفو بيد أمير المؤمنين ، وهو يخضع لاهوائه المزاجية ورغباته الشخصية ، ورغم ذلك فشرع الله مطبق وارواح الناس مصانة ومحمية بحدود الشريعة !!!! .

كان من حق امير المؤمين ان يؤدب المدن والقرى والولايات التي تتجاسر على عصيان اوامره والتمرد على طاعته ، وله في سبيل ذلك ان يستخدم اكثر الطرق التأديب همجية ووحشية من قتل الشيوخ والاطفال وهتك اعراض النساء والتمثيل بجثث القتلى ونهب الاموال والتنكيل بالبلاد والعباد بما يذكرنا بعصور الجاهلية الاولى ، ورغم ذلك فشرع الله مطبق !!!! .

كان بيت مال المسلمين ملك شخصي لامير المؤمنين ينفق منه ما يشاء وبغير حساب على بناء الدور والقصور وشراء الجواري والقيان والغلمان ومنح الاعطيات للشعراء الذين لا هم لهم الا مدح الخليفة وتعداد مناقبه والتغني بعدله في الارض .

كان النظام السياسي لدولة الخلافة نظاما وراثيا محوره الخليفة بوصفه ( ظل الله على ارض !! ) ولا دور للرعية في أي شأن من شؤون السلطة ، اما الفقهاء فقد القوا على امير المؤمنين حصانة العزل او الثورة ( الخروج ) او حتى المساءلة ، واوصوا الرعية بالسمع والطاعة حتى وان ضرب ظهورهم واخذ اموالهم !! .

والنتيجة التي نخلص اليها من قراءة التاريخ الاسلامي هي ان دولة الخلافة الاسلامية لا تختلف كثيرا عن الدول العربية المعاصرة ، فكلاهما يمثل نظاما قمعيا استبداديا مارس ويمارس جريمة اغتصاب حقوق الانسان ، ولعل الفارق الوحيد هو ان محاكم دولة الخلاقة كانت تطبق شرع الله في حين ان مثيلاتها المعاصرة تطبق القوانين الطاغوتية !!!

والامثلة التاريخية على هذه القراءة النقدية كثيرة جدا ولا تستثني حقبة من احقاب التاريخ الاسلامي ، وقد ذكرت في مقالي ( الحل الاسلامي حقيقة ام وهم ) بعض الامثلة ، وانا على استعداد لذكر الكثير والكثير لمن اراد الاستزادة ، فقد انجزت بالفعل دراسة تاريخية نقدية موسعة لتجربة الخلافة الاسلامية وانوي نشرها قريبا في كتاب .

ان ما سبق ليس اسرافا في جلد الذات ، ولا قراءة احادية للتاريخ الاسلامي تغفل الجوانب الايجابية وتركز على الجوانب السلبية كما سيتهمني البعض ، قطعا لا ،ما سبق كان مناقشة لطروحات الخطاب الاسلامي المعاصر الذي يعتبر تجربة الخلافة تجربة اسلامية فريدة طبقت الحل الاسلامي واثمر مجتمعا عادلا وآمنا .

لقد قلت مرارا : ان تجربة الخلافة هي تجربة انسانية محضة جمعت الصالح والطالح ، وقدمت للانسانية تقدما علميا وتقنيا مذهلا ، ولكن .. وكما ويقول مالك بن نبي تراكم منجزات الحضارة لا يصنع حضارة .

لقد ركزت تجربة الخلافة الاسلامية - بوصفها حضارة متقدمة - على الجوانب المادية للحضارة ( العلم والاقتصاد والنفوذ السياسي ) واهملت الجوانب القيمية والانسانية للحضارة ، ماذا يفيد المجتمع الانساني ان يكثر العلماء والفلاسفة وينتفي العدل وتضيع الحقوق ؟؟؟ فجميعهم في النهاية خدم للخليفة ، الم يكن ابن سينا الرجل الذي طبقت شهرته الآفاق مجرد قلم كاتب لجلالة الخاقان !!!!!!!

والمفارقة الغريبة هي ان تجربة الخلافة ليست سوى نموذجا حيا للنقد التقليدي الذي يوجهه الاسلاميون الى التجربة الغربية ( حضارة مادية غابت عنها القيم الانسانية ) والفارق الوحيد هو ان تجربة الخلافة استحضرت الجانب الروحي في بعده الذاتي الشخصي ( صلاة وصوم وعبادة محضة وشعارات اسلامية ، وامامة الخليفة للمسلمين في الصلاة ، ومن ثم يخلو الى لهوه وملذاته الشاذة والماجنة !! ) واغفلت القيم الانسانية الحضارية ( الحرية والعدالة والمساواة والحفاظ على كرامة الفرد والدفاع عن حقوقه ورفع الظلم ..... وهي كلها قيم اسلامية غابت تماما عن المشروع الذي قام باسم الاسلام !! )

وحتى القيم الدينية والروحية لم تخلص لها تجربة الخلافة ، بل لقد تميز مجتمع الخلافة بانحرافات اخلاقية خطيرة وسلوكيات شاذة مشينة ، ولقد اشرت سابقا الى كتاب ( المتعة المحظورة ) لابراهيم محمود الذي عالج ظاهرة الشذوذ الجنسي في المجتمع الاسلامي ، بل تكفي مراجعة سريعة لأي كتاب فقهي تراثي حتى تستوقفنا قضية الغلام الأمرد واحكامه الفقهية الخاصة بما يعبر عن هم اخلاقي واجتماعي معاش في ذاك الوقت ، هذا فضلا عن واقع الاماء والجواري ووظيفتهم الاجتماعية التي لم تكن تختلف كثيرا عن وظيفة المومسات والعاهرات !! ناهيك عن انتشار الحانات ومجالس الشراب بشكل علني سافر وشيوع ادب الخلاعة والمجون ( ارجع مثلا الى كتاب الاغاني كنموذج وابحث كم مرة ذكرت كلمة ( اير ) او ( نيك ) ضمن سياق فاضح ومعنى فاحش !! واعتذر لاستخدام هذه الكلمات ، ولكن عذري هو انها كلمات فصيحة وردت آلاف المرات في ذخائر تراثنا الاسلامي ، في حين ثار بعض الاسلاميين مؤخرا في مصر وطالبوا بسجن كاتب ومصادرة روايته لأنها - في زعمهم - رواية اباحية !!! )

بالتأكيد سيقول الاسلاميون : ان ما حدث في الماضي هو خطأ في التطبيق ، والاسلام برئ من كل هذه الانحرافات .  

ونحن نوافق على هذا الكلام ، ولكن ، يحق لنا ان نتساءل : الا يجوز ان نستخدم ذات المنطق في تقييم التجربة العلمانية سواء اكانت يسارية ام قومية ام ليبرالية بحيث نعتبر فشلها مجرد خطأ في الممارسة لا خطأ في الفكرة ذاتها ؟؟؟

ولنكن اكثر صراحة :

ما الفارق الحقيقي بين شرع الله وشرع الناس اذا كان كل منهما عرضة لخطر الانحراف في التطبيق والاساءة في التنفيذ والتلاعب بالقيم النبيلة ؟؟؟مع ملاحظة ان شرائع الناس تسجل نجاحات ملموسة في الغرب في حين ثبت فشل التجارب الاسلامية في الماضي والحاضر ؟؟؟؟

لماذا تكون اخطاء الاسلاميين ( مجرد خطأ في التطبيق والممارسة ) في حين تُضخم أخطاء الغرب لتصبح انحرافات خطيرة تهدم الفكرة الغربية من اساسها ؟؟؟

( يُعتبر كتاب ( الحلول المستوردة وكيف جنت على امتنا ) للدكتور يوسف القرضاوي نموذجا مثاليا على هذا الاسلوب في تتبع اخطاء الغير ، فقد انتهى القرضاوي الى ان فشل التجارب العلمانية العربية دليل قاطع على خطئها المنهجي ، وبالتالي حتمية الحل الاسلامي ، ترى الا نستطيع ان نستخدم ذات المنطق النقدي في محاكمة تجربة الخلافة وبالتالي رفض الحل الاسلامي ؟؟؟؟؟ )

اذا كانت القضية : تجربة قابلة للخطأ في التطبيق مقابل تجربة اخرى قابلة للخطأ في التطبيق ايضا فكيف نختار بينهما ؟؟

اذن ....

فقراءة الخطاب الاسلامي لتجربة الخلافة الاسلامية هي قراءة تنظيرية ايديولوجية بحتة تفتقر الى المصداقية والواقعية وتجانب الصواب الى حد كبير ، فمن الواضح ان تجربة الخلافة لا تصلح دليلا على نجاح المشروع الاسلامي .

من الواضح ان الشريعة لم تكن حلا لمجتمع الخلافة الاسلامية ، فقد غرق ذاك المجتمع في خضم مشكلاته وازماته ، ولم تفلح نظم الشريعة وقوانينها وحتى قيمها في حلها وازالتها .

من الواضح ان تجربة الخلافة لم تتمكن خلال عمرها المديد ( 14 قرنا ) من اقامة ذلك المجتمع العادل الذي نحلم به ، وما زلنا نحلم به .

لاشك أن الشريعةالاسلامية هي منهج عادل ومثالي ، لكن المشكلة فيمن سيطبق هذا المنهج ، فهم في النهاية بشر محكومون بكل عوامل الضعف الانساني من غلبة الأهواء والأطماع ، فاذا قامت الدولة الاسلامية فما الذي يضمن الا ينحرف الحكام ؟ ما الضمانة في ان لا تتكرر ذات الأخطاء والانحرافات التي حدثت في الماضي وتحدث اليوم ؟؟

و مجتمعنا العربي المعاصر ما زال يعاني من ذات المشكلات والازمات ، فهل ستحلها الشريعة الاسلامية؟؟

كيف ؟؟؟


 
   

شارك برأيك في هذا الموضوع

 

 
 
 
 

التجربة البشرية في كل زمان ومكان هي مزيج من النجاح والفشل ، ولا تشذ تجربة الخلافة الاسلامية عن هذه القاعدة

 

 

 

 

 

 

 

 

يركز الخطاب الاسلامي وبشكل مفرط على الجوانب الايجابية في تجربة الخلافة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

هل صحيح ان تجربة الخلافة الاسلامية تمثلت احكام الشريعة الاسلامية ووضعتها موضع التنفيذ الحقيقي والكامل ؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 يقول منير شفيق: لم يستطيع الخروج عن الشرع بهذا القدر او ذاك ان يغير من الاساسيات الاولى للدولة الاسلامية ، فقد بقي قانونها الاساسي هو الشريعة الاسلامية

 

 

 

 

 

يقول سيد قطب: إن الهبوط عن مستوى الذروة لا يعتبر في ذاته انحرافا !!! وانما هو الامر الطبيعي المتوقع بعد غيبة الرسول وبعد ان ينتهي اثر النشأة الجديدة في نفوس الناس ا

 

 

 

 

 

 

 

 

هل اثمر تطبيق الشريعة الاسلامية مجتمعا عادلا ينعم بالحرية والمساواة والازدهار؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يقول الدكتور يوسف القرضاوي : ( الحل الاسلامي هو الحل الذي جرب في هذه الامة من قبل فاعطى نتائج باهرة وحقق نجاحا منقطع النظير

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كان بمقدور الخليفة ان يأمر بقتل من يشاء ولاتفه الاسباب دون ان يردعه رادع شريعة او خوف من الخالق !!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

محاكم دولة الخلاقة كانت تطبق شرع الله في حين ان مثيلاتها المعاصرة تطبق القوانين الطاغوتية !!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ماذا يفيد المجتمع الانساني ان يكثر العلماء والفلاسفة وينتفي العدل وتضيع الحقوق ؟؟؟

 

 

 

 

 

 

 

 

تكفي مراجعة سريعة لأي كتاب فقهي تراثي حتى تستوقفنا قضية الغلام الأمرد واحكامه الفقهية الخاصة بما يعبر عن هم اخلاقي واجتماعي معاش في ذاك الوقت

 
 
 

 

 

 

 

 

غرق مجتمع الخلافة الإسلامية  في خضم مشكلاته وازماته، ولم تفلح نظم الشريعة وقوانينها وحتى قيمها في حلها وازالتها .