أيلول / سبتمبر  2008


 

الشرف عند الآخرين تمثله العقول..

والشرف في مجتمعنا تمثله الأعضاء التناسلية

 

رهادة عبدوش


 

بعد أن تم الصلح بين (زهرة عزو) وأهلها إثر حادث لا علاقة لها به ، وهي التي لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها حيث أنها وقعت ضحية خلاف عائلي ما أدى إلى اختطافها من قبل أحد الشبان ، وعندما استطاعت الهرب منه لجأت إلى معهد الأحداث للفتيات في دمشق لتأوي فيه ، وبعد مفاوضات تم الصلح مع أهلها كونه لا ذنب لها وبعد ذلك تم تزويجها من ابن خالتها الذي فهم قصتها وعرف براءتها وبمباركة الجميع ، وبعد أقل من شهر زارها أخوها في بيتها الجديد لكنها كانت زيارة مميتة حيث أنه قد خطط مسبقاً لقتلها مع باقي أفراد عشيرتها ، وطعنها من الخلف حتى ماتت وهي تعد له الضيافة سعيدة بقدومه مرحبة بأخيها الذي ارتأى الغدر بها دون أن تلتقي نظراته بها للوداع ، وبفخر سلم نفسه إلى القضاء الذي ينتظر منه الصفح لأنه يدافع عن شرفه مستغلاً موادّ قانونية تدعمه وتبرئه.هذه الجريمة من أصل 300 جريمة سنوياً ترتكب في سورية تحت غطاء الشرف الذي في باطنه ثأر من نوع آخر، فهنالك قصص تروي تفاصيل مذرية. فقد أقدم أخ على قتل أخواته الثلاث بحجة سوء سلوكهن ، وتبين بالحقيقة أنه قتلهن من أجل الوصول إلى حقهن بالميراث ، وذلك الأب الذي قتل ابنته ليغطي جريمته التي ارتكبها بحقها ، فقد اغتصبها وحملت منه سفاحاً وعندما بدأت القصة تنكشف قتلها بحجة سوء السلوك ، وتلك العائلة التي قررأفرادها قتل ابنتهم بعد أن تاجروا بجسدها ولأنها رفضت المتابعة كان القتل عقوبة لها، وتلك القصة المحزنة التي دفعت إحدى الأمهات ابنها لقتل أخته لأنها رأت انتفاخا في بطنها وبعد القتل وتشريحها من الطب الشرعي تبين أن هذا الانتفاخ هو ورم في البطن..

كل هذه القصص من الواقع تسردها كل يوم الوسائل الإعلامية لتطالب بتغيير القانون الذي يساند هؤلاء القتلة حيث أن المادة(548) من قانون العقوبات السوري تقول: إنه يستفيد من عذر محل كل من" فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد" ، وتقول الفقرة الثانية من المادة نفسها: إنه "يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجته أو قريبته في حالة مريبة مع آخر" ، علماً أنه يعود لقضاة الموضوع تقدير توفر شروط " الحالة المريبة" ، ويبدو أن المشرع قصد بها الحالة التي يدعو ظاهرها إلى قيام علاقة الزنا أو الجماع غير المشروع في تلك الفترة دون مشاهدة المجني عليهما أو أحدهما وهما يرتكبان ذلك الفعل. هذا ما عدا المادة القانونية المتعلقة بالدفاع عن الشرف دون أي تعريف أو تحديد لهذا الشرف. هذه القوانين التي أُخذت عن الرومان منذ عهود غابرة وقد عُمل بها منذ الوجود الفرنسي في سورية ، علماً أن فرنسا وجميع الدول المتقدمة قد نبذت هذه المادة فيما بعد لكن في سورية وبعض الدول العربية المجاورة مازالت تعمل بها ولا زالت جرائم كثيرة ترتكب تحت هذه الذريعة مع التأكيد على أن الأديان السماوية ترفض هذه المواد القانونية وهذا النوع من القتل ، وهذا ما أكده مفتي الجمهورية العربية السورية (أحمد بدر حسون) الذي استنكر هذه الجرائم والقوانين التي حللت فعل المجرم فسامحته من أية عقوبة ، خصوصاً أن هذا القانون -على حسب قوله- قد استمد من القوانين القديمة ومن العادات غير السليمة وأكد أن "الحل في قتل الزنا وليس الزاني,

والبطل من يدافع عن شرف الأمة " وقال: "جريمة الشرف في رسالات الأنبياء، كانت في محورها كيف نعيد المخطئ إلى رحاب الله وليس كيف نقتله"وكذلك يؤيد هذا الكلام الشيخ (محمد رمضان البوطي) حيث أنه طالب بتطبيق الشريعة الإسلامية بدلاً من هذا القانون الذي يميز بين المرأة والرجل ويظلم المرأة.أما المحامون فإنهم يرون في هذه المواد القانونية ومن خلال الحالات التي وردت إليهم أنها حجة يتخفى وراءها غايات شيطانية أثبتتها التحقيقات الجنائية.حملة جرائم الشرف"أوقفوا قتل النساء"هذا ولم تسكت أصوات المفكرين والإعلاميين والمثقفين عن التنديد بهذه الجرائم فقد قام مرصد نساء سورية بحملة ضد جرائم الشرف أظهرت مقدار الظلم الواقع على المرأة من جراء هذه القوانين التمييزية والتي تخالف الدستور والاتفاقيات الدولية ، تلك الحملة التي يشرح عنها السيد (بسام القاضي) مدير موقع نساء سورية فيقول:إنها كانت نتيجة لتكرار قتل النساء بحجة الدفاع عن الشرف وتحولها إلى ظاهرة في سورية ، فما هذه الجرائم إلا ذريعة تخفي وراءها الأسباب الحقيقية للقتل، وهي الإرث وما إلى. أما عن الحملة فقد حاولنا عن طريق الموقع رصد حالات جرائم الشرف في سورية ومتابعتها وإقامة ندوات توعية ومحاضرات حول أهمية إلغاء المادة القانونية التي تعفي القاتل من العقوبة ، وقد حضرها شخصيات رسمية وأعداد كبيرة أيدوا الحملة، وقد طرحنا وثيقة بعنوان " أوقفوا قتل النساء أوقفوا جرائم الشرف " وتم التوقيع عليها من قبل عدد من أعضاء مجلس الشعب في سورية وعدد كبير من رجال الدين الإسلامي والمسيحي والقانونيين والإعلاميين والعديد من المهتمين بالتطور القانوني والمجتمعي في سورية، ما وصل إلى الآن أكثر من عشرة آلاف توقيع لتقدم إلى رئيس الجمهورية ليتم التعديل على هذا القانون وسوف تتابع الحملة تنفيذ هذه المطالب.أخيراً ، إن الإحصائيات الرسمية والتي ترد بين فترة وأخرى لا تدل بالحقيقة على عدد الجرائم، فكثير منها يقيد في السجلات أنه انتحار أوأنه قتل بسبب حادث والفاعل مجهول.

وبالرغم من التأكيد على أهمية تغيير القوانين كضرورة للتغيير المجتمعي، لكن لا بد من أن يترافق ذلك مع تغيير بالعقلية الذكورية التي تدفع أخاً أو أباً أو أماً لقتل بناتهن متجاهلين الإنسان الأهم في كل شيء ومتناسين الشرائع السماوية التي تضع الإنسان في المراتب الأولى ككائن يستحق الحياة. فهل تتغير القوانين؟ وهل سنشهد يوماً تغييراً في العقليات التي تضطهد النساء؟


 

ملاحظة: إن وجدت في هذا الموضوع فائدة علمية، فقم بنشر الرابط إليه  في المنتديات وبين الأصدقاء.

 

 

 

 

 
 
 

 

 

زارها أخوها في بيتها الجديد لكنها كانت زيارة مميتة حيث أنه قد خطط مسبقاً لقتلها مع باقي أفراد عشيرتها

 

 

 

 

 

 

ما زالت سورية وبعض الدول العربية المجاورة  تعمل بقوانين أخذت عن الرومان في العصور الغابرة

 

 

 

 

 

 

 

 

"جريمة الشرف في رسالات الأنبياء، كانت في محورها كيف نعيد المخطئ إلى رحاب الله وليس كيف نقتله"

 
 
 
 

  حقوق النشر محفوظة  للقارئة والقارئ           عودة لصفحة الجسد                    عودة للأولى