كانون أول / ديسمبر 2009


  الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها    
   

د. غانم الجمالي

الفساد


 

من وجهة نظر علم الاجتماع يعتبر الفساد مشكلة اجتماعية , أو لا بد من وضعها ضمن هذا الإطار, لأننا بذلك نعطي المشكلة حقّها ونستطيع , وبشكل موضوعي , دراستها وتحليل أسبابها والبحث عن حلول لها , والفساد كما هو معلوم بالغ الأثر على الفرد والمجتمع وعلى القيم والقواعد الأخلاقية عموما , وهي ليست مشكلة اقتصادية فحسب , بل هي وفي المقام الأول مشكلة اجتماعية , ولو كانت اقتصادية فقط لسهل الحل بالمراسيم والقوانين الزاجرة والضابطة .

في الكثير من الدول يوجد دولة وعلى هامشها يوجد بعض المفسدين وملامح فساد هنا أو هناك وهذا أمر شائع .  أما أن تكون الدولة على هامش الفساد , بمعنى أن يستشري الفساد ليصبح الأمر الواقع ويتهمّش دور الدولة فهنا أصبحنا في لجّة مشكلة وطنية .

يقول "إستر بنشيف" : إن لأي مشكلة اجتماعية مميزات أربع تعرف من خلالها , أولا, أنها حالة يشمل تأثيرها عددا كثيرا من الناس , ثانيا , تؤثر بهم بطرق غير مرغوب بها أو بطرق تهدد وجود قيم ومفاهيم اجتماعية وأخلاقية معترف بها , ثالثا, توفر رأيا عاما مفاده أنه يمكن القضاء على تلك الحالة أو تعديلها , رابعا, أنه لا بد من عمل جماعي مناسب لحل هذه المشكلة والقضاء عليها .

المشكلة تتعاظم في بعض الدولة وتتجلى بالميزة الثالثة والرابعة لما وصفه "إستر " , أي عدم وجود إمكانية القضاء على الفساد وعدم وجود رأيا عاما مقتنع بذلك , إضافة لعدم وجود القدرة والإرادة على عمل جماعي مناسب للقضاء عليه , عندئذ تصبح الدولة على هامش الفساد كما نوّهت .

الفساد إذن مشكلة اجتماعية حسب "إستر " , وهي بكل تأكيد متشعبة الضرر والتأثير

في الجوانب الاقتصادية والقيمية والعائلية على حد سواء .

ينشأ الفساد من الفوضى والسلوك المنحرف , فانهيار النظام الاجتماعي عامل رئيسي في ظهور المشكلة كما أن السلوك المنحرف ( السلوك الذي لا يتفق والعرف الاجتماعي) هو أيضا سبب للفساد , والفساد بدوره , وبنفس القوة , سبب للسلوك المنحرف . لا ننسى أيضا أن السلوك المنحرف نهايته الفوضى وانهيار النظام الاجتماعي , وهذا السلوك قد يكون سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا وحتى فكريا ,

فالرشوة سلوك منحرف غريب عن العرف المعمول به , له تأثير مباشر وغير مباشر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية , بينما التملق السياسي يعتبر سلوكا منحرفا من الناحية السياسية وقد يسبب في إحداث فوضى وهذه الفوضى تكون سياسية أو اجتماعية أو قيمية أو جميعها مجتمعة .

 

إذن نعود ونكرر أن الفساد مشكلة اجتماعية وهي نتيجة وسبب للفوضى في النظام الاجتماعي , وهي سلوك منحرف مثلها مثل الإهمال الوظيفي والتهرب الضريبي والتسلط السياسي وكبت الحريات .

كيف ندرس هذه المشاكل الاجتماعية ؟ , يقول "إستر" : أنه لا بد لدراسة أية مشكلة اجتماعية أن تكون الدراسة علمية ولا بد حين دراستها أن يشترك علماء وبحّاثة ومن بينهم علماء الاجتماع , ويقول أن الدراسة الاجتماعية لمشكلة اجتماعية ما تتناول فيما تتناوله أولا:درجة حدوثها وكيفية توزعها وطبيعة تأثيرها على الناس , ثانيا: منشأ المشكلة أي فيما إذا كانت قد نشأت من النظام القائم للمفاهيم بصورة مباشرة أو غير مباشرة , ثالثا : هل المشكلة من صنع الإنسان ( أنظمة حكم , قوانين جائرة , احتلال) أم هي من صنع الطبيعة ( مجاعة , كوارث أخرى ) , رابعا : ماذا ينجم عن الحل من ذيول أو مضاعفات .

يقول " إستر " أيضا : إن موضوع المشاكل الاجتماعية هو موضوع حديث نسبيا , إذ أن المجتمعات الأقل ديمقراطية كانت تتقبل الشدائد والمحن دون أي اعتراض وذلك لأنها تؤمن بالقدر وتضع أملها بالتصحيح وكشف الضر في العناية الإلهية , كما أن التعاسة والشقاء والمعاناة البشرية وعدم المساواة تعتبر جزءا من النظام الطبيعي على هذه الأرض . ويقول إن الديمقراطية أدركت أن العمل الجماعي ( منظمات مجتمع مدني , منظمات حقوق الإنسان, هيئات الرقابة والتفتيش , الكتل البرلمانية ) لحل مشكلة اجتماعية ما هي ما تناسب هذا العالم , وهذا العمل الجماعي هو بحد ذاته قيمة اجتماعية راقية .

كيف نحل مشكلة اجتماعية كالفساد مثلا ؟

يقول " إستر " : لا شك أن الليبرالية وحرية العمل هي من أقدم النظريات التي لها من يدافع عنها , لكنها خرافة , علما أنها لا تزال عالقة في أذهان وعقول الكثيرين ذووا المصالح الشخصية .

البعض يطالب بالحل الجذري وآخرون يطالبون بالحل على دفعات حيث أن الثمن اللازم للإصلاح الشامل والكامل من أي نوع هو ثمن باهظ كما أن اللجوء إلى المعالجة السطحية سيكون باهظ الثمن على المدى البعيد من جهة التبديد وسوء استخدام الموارد البشرية مما يؤدي بالتالي إلى الفوضى .

إن حل مشكلة اجتماعية ما (كالفساد)يتضمن إصدار قوانين قابلة للتطبيق والعمل على تطبيقها والأمر الثاني هو تعليم الناس وتثقيفهم على ضرورة احترام القوانين وأنها لمصلحتهم أولا وأن تكون فعلا كذلك .

تعقيب

** نتذكّر معا تجربة مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الشهير عندما وضع لجانا لمكافحة الفساد منها لجنة من أعضاء حزبه, حزب الأغلبية, ولجنة أخرى من أعضاء الائتلاف الحاكم, ولجنة ثالثة عامة , وكانت أحدى مهامها مساءلة رئيس الوزراء نفسه ....

** في معظم الدول المجاورة وغير المجاورة يوجد قوانين قابلة للتطبيق , أقصد هنا دستور للدولة تتحرك تحته كل الأحزاب والمؤسسات والمنظمات والمعارضة , فهنالك دول يحكمها حزب واحد ( تركيا مثلا ) , إلا أن هذا الحزب طوّر نفسه ذاتيا وداخليا بحيث يلائم الدستور ( القائد لكل الأحزاب وللمجتمع ) , لا أن يقوم حزب حاكم في بلد ما في تفصيل دستور يلائم ذاك الحزب وكأنه يعيش أبدا ...؟! . فلو دامت لغيره لما وصلت إليه ..

 ----------------------------------

نشرة (كلنا شركاء) 18/11/2009


أرسلوا هذه الصفحة للأصدقاء

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

عودة إلى صفحة المجتمع

   

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

un compteur pour votre site