الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها
   
علي حسـّون

سوق الدعارة في دمشق


من مقال بعنوان "هذي دمشق وهذا الكأس..وأشياء لا تُحكى"

لم تعد دمشق هي دمشق.. ولم يعد قاسيون هوقاسيون.. ورغم أن هذا الجبل قد شهد أول جريمة في تاريخ البشرية حين قتل قابيل أخاه هابيل، فإن هذه لن تكون نهاية الأفعال المشينة على هذا الجبل الذي لا يمكنك تصوّر دمشق من دونه والعكس صحيح..

من قاسيون أطل ياوطني ..

صيفاً .. عندما تتدرج صعوداً إلى سفوح قاسيون سيأخذك منظر الآلاف من البشر على شكل عائلات وهم يمضون أوقاتاً جميلة على سفوحه، ولكن هذا المشهد الدمشقي الأصيل(السيران) لا يبدو كاملاً.. فاللوحة مازالت منقوصة، ففي أماكن أخرى أكثر ارتفاعاً وخصوصيةً، هناك تجمعات من نوع آخر، عليك فقط أن تتجه باتجاه طريق معربا – التل.. هنا لست بحاجة إلى التمثيل..

سيكون المنظر لأول وهلة صاعقاً.. ستعتقد أنك لست في دمشق أو في جوارها، ستحلف أغلظ الأيمان أنك ربما في (لاس فيغاس).. فالأضواء تكتسح وعلى مد النظر جبلاً كان حتى وقت قريب مقفراً.. إذاً هذه هي السياحة.. هنا بدأنا نقطف ثمار الاستثمار السياحي.. عشرات من الملاهي الليلية والمرابع والمراقص تتآخى جنباً إلى جنب في مشهد سيبدو غريباً على مدينة كدمشق..

ولكن ما الضير في ذلك، طالما كان الهدف هو تشجيع السياحة؟!

أسماء أكثر من أن تستطيع حفظها.. (المختار، الملك، تاج الملك، مونت كارلو..) كلها أسماء لمنشآت رُخّصت على أنها سياحية.. لكنها كانت أكثر بكثير، وإن فرضنا مجازاً أنها سياحية فمن الأدق أن نسميها سياحة الدعارة!

يقول العارفون في هذه المهنة، إنه وقبل نحو ست أو سبع سنوات وما قبل، لم يكن هناك أثر لهذه الأماكن.. لتبدأ بعد ذلك هبّة استثمارية لا مثيل لها، حيث بدأ بعض من لديهم حسّ استثماري استباقي بإنشاء منشآتهم الأولى.. كانت دون ترخيص أولاً ثم تقرر ترخيصها تحت مسمى منشأة سياحية.. كانت تنبت كالفطور متجاورة، غير عابئة بازدياد أعدادها.. ففي هذه المهنة لا خوف من المنافسة والكساد.. الكل سيجد له مكاناً، وكلما ازداد عدد الصالات ازداد العمل!!

كانت البداية بقيادة بعض المتنفذين الذين دشنوا وبجرأة يُحسدون عليها هذه المشاريع الاستثمارية، حيث استطاع هؤلاء تأمين الموافقات لإقامة مثل هذه الأماكن ومن جهات متعددة بدءاً بالبلديات مروراً بوزارة السياحة ونقابة الفنانين وصولاً إلى كل الجهات المسؤولة عن منح الترخيص..

واستطاع هؤلاء (الكبار) الترخيص لـ(منشأة سياحية) يسمح فيها تناول المشروبات الكحولية بأنواعها ويسمح بعزف الموسيقا أيضاً، وعملياً يستطيع صاحب هذه المنشأة أن يتذرع بأن لديه موافقات تسمح بتقديم المشروب والموسيقا، ووفقاً لهاتين الموافقتين أصبح استقدام الراقصات اللواتي يقمن بأعمال أخرى هو كملحق للموسيقا!

ولم يكن هناك من يهمه الاعتراض على ذلك، فالاتفاق ضمني على أن هذا العمل هو لتشجيع السياحة أخيراً.. والدليل أن إخواننا في الخليج تركوا بقاع الدنيا وعبدونا.. حتى أصبحنا ننافس ليس فقط لبنان بل وأماكن أخرى في شرق آسيا لها تاريخ حافل في مهنة الدعارة!

وأصبحت لهذه المهنة أصول وشبكات تعمل على إنجاحها. ولذلك لن تستغرب وجود هذا الكم الهائل من الملاهي في بقعة واحدة، كانت كما قلنا أرضاً جرداء، فتحولت إلى أماكن تباع بأسعار خيالية.. وهكذا فقد جنى الجميع ثمار هذه المهنة الجديدة ، فالبلديات جنت من بيع الأراضي وإعطاء تراخيص البناء (وبلدية معربا مثالاً) ووزارة السياحة كان لها حصتها من هذه المشاريع الحضارية، أما نقابة الفنانين فكانت الرابح الأكبر.. حيث راحت ترخّص لكل اللواتي يعملن في هذه الملاهي على أنهن (فنانات) وتقبض عن كل واحدة منهن مبلغاً قدره 7000 ليرة شهرياً، وبحسبة بسيطة سنجد أن كل ملهى يحوي حوالي 20 راقصة (نورية أو غجرية أو غيرهما) وإذا كان في دمشق بحسب تأكيدات بعض العاملين في هذه المهنة نحو 200 ملهى ومرقص ومربع، فإن عدد العاملات فيها سيكون نحو 4000 راقصة، يدفع المحل عن كل واحدة منهن 7000 ليرة شهرياً ويكون المبلغ الإجمالي الذي تجنيه النقابة شهرياً هو مليونا ليرة وثمانمئة ألف وفي العام 33.6 مليون ليرة وبناءً على ذلك يقول بعض  (الحاسدين) إن نقابة الفنانين ولولا أولئك الراقصات لما استطاعت أن تدفع للعضو فيها 10 آلاف ليرة كتقاعد ونحو 400 ألف ليرة عند الوفاة.. وهكذا فإن الكثير من فنانينا المحبوبين يعيشون على ما تقدّمه لهن (فنانات) المرابع الليلية اللواتي يعملن طوال الليل وفي أسوأ الظروف والأوضاع دون أن ينالهن شرف الاستفادة من نشاطهن الخاص على الأقل بعد التقاعد!

وليس هذا فحسب.. بل إن نقابة الفنانين (الحقيقيين) تتابع باستمرار ودأب أي جديد في هذه الملاهي كاحتمال دخول فنانة جديدة لم يسجلها صاحب هذا الملهى أو ذاك.. ولذلك فإنها تقوم بدوريات ليلية و(كبسات) على هذه الملاهي إلا أن أصحاب الملاهي فهموا الدرس وراحوا يتحولون إلى طرق أكثر نجاعة مع هؤلاء (المرتزقة) واكتشفوا حيلاً انطلت على النقابة حتى الآن، ونحن سنفشيها ولكن ليس خدمة لهذه النقابة التي فشلت في تأمين حياة كريمة ولائقة لأعضائها، بل لإيضاح الأجواء التي تحكم مثل هذه الأماكن.. فأصحاب الملاهي والقائمون عليها راحوا يستقطبون الفتيات ومن كل الأعمار بدءاً من سن 15 وما قبل أحياناً وحتى الخامسة والعشرين ويستضيفوهن في ساحة المرقص على أنهن زبائن ليرقصن مع مجموعة من الشبان (الخليجي غالباً) وأعدادهم بالعشرات.. وليقوموا بدور الوسيط بين الفتيات والزبائن الحقيقيين، بحيث تسعّر كل واحدة منهن ويُطلب من السائح دفع المبلغ لصاحب المحل حصراً..

وهنا لابد أن نشير إلى أن لكل عمل سعره، فمن يريد قضاء ساعة مع الفتاة له سعر ومن يريد قضاء ليلة كاملة يعامَل معاملة أخرى.. أما من يريد شراءها والسفر بها إلى الخليج، فسوف تتم مراعاته بالتأكيد، ولكن من هنّ أؤلئك الفتيات؟ وكيف انتهى بهن الأمر هنا؟ ومن يدير هذه الشبكة.. وما هي أنواع الملاهي اللواتي يعملن فيها؟

شبكة عنكبوتية!

لا يتخيلن أحد أن هذه الأمور وهذه المهنة تسير بشكل اعتباطي، أو مصادفة، فالأمر مدروس برمته.. والدعارة أصبحت شبكة من الصعب اختراقها.. لكننا سنحاول وبناء على تأكيدات لأشخاص يعملون في هذا الوسط أن نلقي الضوءعليها:

يبدأ الأمر في المطار، عندما يصل الزبون (الخليجي) والذي تستقبله سيارة أجرة، حيث ينتظره سائق التكسي الذي يوصل زبونه إلى أحد المكاتب (العقارية أو السياحية) وهنا يتم إرسال الضيف إلى إحدى الشقق المفروشة، حيث تكون بانتظاره خادمة هي من تتولى أمر الفتيات، فتقوم بالاتصال بهن ولينتهي به المطاف في أحد الملاهي أو بيوت الدعارة ضيفاً.

وهكذا فإن العملية تتم بشكل آلي، فيصبح السائح القديم دلالاً لأصدقائه ممن يريدون قضاء إجازة ممتعة في ربوع سورية الحبيبة.. حتى إن الأمر بات اليوم يُحلّ عبر الهاتف.. فالجوال كما يقول محدّثنا لم يعد يعرف الحدود.. وباتصال واحد يستطيع الزبون الخليجي الوصول إلى مراده.

وإذا كنا نتحدث عن سائق التكسي كطرف رئيسي في هذه الحلقة، فلعلمنا أنهم يشكلون المرشد الحقيقي لهؤلاء والذين يلعبون دور الوسيط.. لا بل يمكن للواحد منهم أن (يسبّع الكارات) وقد وصلت إلى هذه النتيجة بعد أن رأيت بأم العين السائق الذي أقلني إلى جرمانا في أحد المرابع الليلية وهو يعمل كـ (كورس) وعازف طبلة في الوقت نفسه!!

الملاهي والمراقص والمرابع.. ومستويات!

من يقول إن الملاهي كالمرابع وبالتالي كالمراقص، فهو مبتدئ بالتأكيد، كحالي عندما ذهبت في أولى جولاتي الليلية! والآن وبعد أن أصبحت مخضرماً وذا اطلاع لا يستهان به أستطيع أن أؤكد لكم أن لكل منشأة نوعاً خاصاً من الأعمال وزبائن يختلفون عن غيرها.. وباختصار القصة فيها مستويات سنبدأ بأقلها دعارة..

ـ المستوى الرابع، ويسمى العائلي: وهي المرابع الليلية التي تسمى (عائلية) وهي تستقطب السوريين وغالباً المرفهين منهم.. وهذه يكون عملها، خاصة في الصيف حيث يعتبر موسماً سياحياً بامتياز، وهنا يختلط السوري بالخليجي (أقصد الزبائن).

هذا الجو العائلي يصنّف سياحياً على أنه من فئة الأربع نجوم حصراً.. هنا نادراً ما تجد الزائر الخليجي مع عائلته.. بل سيكون برفقة (سهّيرة) على رأسهم السائق إضافة إلى (صبايا السياحة)

ـ المستوى الثالث، هو الأماكن التي تقدم برامج الاستعراض: هنا يبلغ عدد الراقصات على المسرح 20 راقصة فما فوق ويسمونهن راقصات استعراض، يحصلن على موافقة من نقابة الفنانين وبعقود موثقة وهن من جنسيات مختلفة.. ورواد هذه الأماكن هم عموماً من الشباب السوري والخليج.. هنا وكما قلنا سابقاً يتم التعارف على المسرح ومن هنا تبدأ السياحة إلى المنازل الخاصة والمؤجرة..

ـ المستوى الثاني: الكباريه (الملهى الليلي) الذي يجمع بين جنباته جنسيات مختلفة (روماني، روسي..) وهو أيضاً مصرّح من قبل نقابة الفنانين، والرواد خليط من الجنسيات العربية لتتم المواعيد ليلاً والدعوة في اليوم التالي على الغداء ومن بعدها إلى الشقة وبعدها (فهمكم كفاية)  !!

ـ المستوى الأول من الملاهي، وهو الذي يستقطب «النوريات» وهذه غالباً توجد على أوتستراد معربا وطريق التل السياحي، حيث يكون هناك أكثر من 50 إلى 60 (فنانة) استعراض تتراوح أعمارهن بين 15 و25 سنة، ويسمح لهن بالعمل في عدة أماكن في نفس الليلة، وهذه تستقطب الضيوف من الخليج، حيث تمارس هنا أهم الطقوس (النقطة) وهي عبارة عن رشّ النقود على الراقصات في منظر استعراضي ولا أبهى!! ولكن لتعود كل هذه النقود إلى صاحب المحل حصراً ولا يحق للفنانات أخذ أي شيء من هذه النقود، بعيداً عما اتفق عليه بينهما!!

عودٌ على بدء

قد يقول قائل إن الدعارة هي أقدم مهنة في التاريخ، وبالتالي لافائدة ترجى من أي محاولة لمنعها أو إلغائها ..لكن الصحيح إن وافقنا على ذلك (وهو مايبدو ) أن يتم تنظيمها وقوننتها وتشديد الرقابة عليها وحصر أماكن انتشارها بعيدا عن الأحياء السكنية وخارج حدود المدن، خاصة التشدد في منع دخول الفتيات القاصرات أو الشبان المراهقين إلى مثل هذه الأماكن ..والأهم من كل ذلك، الحد من الأسباب التي أدت إلى انتشار ظاهرة الدعارة وبيوتها بهذا الشكل المنفلت من أي عقال .

 

 


أرسلوا هذه الصفحة للأصدقاء

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

عودة إلى صفحة المجتمع

   

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ