آذار / مارس  2009

 


شكاوى الفلاح الفصيح

في القرن 21 ق.م


 

بعد الانهيار الدرامي للدولة القديمة عام 2268 قبل الميلاد دخلت مصر مرحلة يطلق عليها علماء المصريات " العصر الانتقالي الأول" تفتت فيه المركزية واستقل أمراء الأقاليم بالحكم، وفي الفترة ما بين 2134 إلى 2040 قبل الميلاد أي عصر الأسرة التاسعة والعاشرة كانت مصر حبلى بغدٍ جديد ومقدماته تمثلت حصول الفلاح على المزيد من الحرية وبفضل الضغط الشعبي تم الاعتراف بعبادة أوزير ومقرطة العالم الأخر

أهم إنجازات المصريين في هذا العصر تحررهم النسبي من القوالب الفنية الجامدة التي سادت عصر الدولة القديمة الصارم في مركزيته فتزين مقابر هذه الفترة بالرسوم التي تعكس نزق الحياة وخصوبتها.

من هذا العصر وصلتنا كتابات عديدة تعكس المخاض الذي عاشته البلاد مثل تعاليم " إيبور" وتعاليم" مري كا رع " وشكاوي الفلاح الذي وصلنا مكتوباً بالخط الهيراطيقي على أربع برديات، ثلاث منها محفوظة في المتحف المصري ببرلين تحت الأرقام: 3032، 3035، 10499، والرابعة محفوظة في المتحف البريطاني تحت رقم 1027. وقد ساعدنا تكرار النسخ في الحصول على النص شبه كامل. زمن كتابة النص يرجع إلى عصر الدولة الوسطى بعد أن تم إعادة توحيد البلاد تدريجياً بقيادة الصعيد، أما زمن الحكاية فيعود إلى نهاية العصر الانتقالي الأول

النص معروف باسم " شكاوي الفلاح الفصيح" أما في الأصل فهو بدون عنوان. رغم أنه لا دليل على إن كاتب النص هو أحد الفلاحين وعلينا ألا نقع في خطأ افتراض أن هذه الشكاوى قد نظمها أحد الفلاحين المصريين بل هي من صياغة أحد الكتبة بهدف تملق الحاكم.

 

شخوص الحكاية

خون إنبو: فلاح من وادي النطرون، معنى الاسم أنوبيس يحمي

مريت: زوجة الفلاح، معنى اسمعها جميلة

نمتي نخت : أبن أحد الموظفين ويدعى إسري ويعمل لدى رئيس البلاط الملكي

مرو بن رنسي: رئيس البلاط الملكي

الملك: نب كاو رع، من ملوك الأسرة العاشرة (من 2134 إلى 2040)

 

جغرافيا الحكاية

سخت حمات: من الممكن ترجمتها إلى " حقل الملح" وهي وادي النطرون اليوم

بر ففي : يعتقد أنها تقع بالقرب من البدرشين وهي في النص تقع شمال مدنيت، وإن صح ذلك فهي تقع شمال الإقليم الثاني والعشرين من أقاليم الصعيد

نني نسو: وهي عاصمة مصر آنذاك وكان يطلق على العاصمة اسم مصر القديم " كمت" (في القبطية : كمى)، وهو تقليد مازلنا نحافظ عليه بتسمية العاصمة مصر.

بطل حكايتنا " خون إنبو" لاحظ إن مخزون الحبوب يكاد ينفذ في بيته فحمل على حماره بعض من منتجات قريته لمقايضتها بالطعام في العاصمة إهناسيا في الطريق يتعرض لمكيدة " نمتي نخت " ويسرق حماره فيذهب الفلاح إلى رئيس الموظف وهو رئيس بلاط الملك " مرو بن رنسي " ويشكو له الظلم الذي وقع عليه وينظم مرافعته في قالب شعري مطالباً إياه تحقيق العدل ويصل الأمر للملك " نب كاو رع " فيأمر بتجاهل الفلاح حتى يكمل مرافعته وكتابتها وفي نفس الوقت يأمر بتزويد أسرة الفلاح بالطعام حتى يعود.

إلى هنا تنتهي المقدمة التمثيلية (الحبكة) الذي تخدم الهدف الأساسي للنص وهو المرافعات التسع للفلاح التي تتأرجح بين المديح والهجاء ويتجاوز فيها الفلاح سقف مأساته ويتناول كل التجاوزات في المجتمع لكن بالطبع دون التعرض لأسس النظام نفسه. وبعد إلقاء المرافعة التاسعة يأس الفلاح من استعادة حقه وضاق بصمت رئيس البلاط فقرر الذهاب إلى أنوبيس الإله الحامي للموتى ليشكوه فيخرج الرئيس من صمته ويحقق في قضيته ويعاقب الجاني والبعض يفسر خروج رئيس البلاط عن صمته أن يكون الفلاح قد نوى الانتحار لقابلة أنوبيس.

 

النص:

كان هناك رجل يدعى " خون إنبو" فلاح من " وادي النطرون" وكان له زوجة تدعى مريت

قال الفلاح لزوجته: شوفي، سوف أنزل لمصر لإحضار الطعام لأولادي، اذهبي وزني لي الشعير الذي في الجرن من فائض شعير أمس

[1] وقامت بوزن 26 " حكات"[2] شعير

قال الفلاح لزوجته: شوفي، هذه عشرون كيلة شعير طعامك وطعام أولادك، واعملي لي من الستة كيلات خبز وبيرة[3] لكل يوم لأتعيش بهوسافر الفلاح إلى "كمت" بعد أن حمل حمارة بسعف النخيل وملح النترون وبعض ألواح الخشب ..(وعدد من النباتات الغير معروفة لنا) وكثير من المنتجات الطيبة من " وادي النطرون"، وارتحل الفلاح جنوباً إلى مدينة " نني نسو" (إهناسيا) ووصل إلى حي " بر فيفي" شمال مدينة " مدنيت"، ووجد هناك رجلا واقفا على ضفة النهر يدعى " نمتي نخت"[4] وهو ابنا لرجل يدعى إسري ويعمل موظفاً لدى رئيس البلاط العظيم " رنسي بن مرو

قال تحوتي نخت هذا، عندما رأى حمير الفلاح التي اشتهاها قلبه: " آه لو كانت لي هيئة إله فعالة[5] لكنت سلبت أشياء الفلاح"

وكان بيت " نمتي نخت" يقع بجوار الطريق الذي كان ضيقاً وليس اعرض من عرض مقطع قماش. ناحية تنحدر إلى الماء وفي الناحية الأخرى يوجد حقل شعير

قال نمتي نخت لخادمه: اذهب واحضر لي بسرعة ثوباً من بيتي !، واحضر له سريعاً وفرده على الطريق بحيث لامس طرف الماء والطرف الآخر لامس حقل الشعيروجاء الفلاح على الطريق العام.[6] ، لكن نمتي نخت قال: خد بالك يا فلاح، لا تخطو على ثوبي

قال الفلاح: سوف أفعل ما تريد فإن الحق طريقي. وصعد الفلاح للأعلى

فقال نمتي نخت: أيكون حقلي طريقاً لك؟

قال الفلاح: كان طريقي مستقيم، حافة النهر ضيقة وطريقنا أسفل حقلك وقد سدت الطريق بثوبك، ألا تريد أن تدعنا نمر على الطريق؟

وما إن قال الفلاح ذلك وإذا بأحد الحمير يملأ فمه بقطمة شعير

قال نمتي نخت: سوف أصادر حمارك الآن يا فلاح لأنه أكل من شعيري وعليه أن يعمل في دراسة الشعير لأنه أجرم

قال الفلاح: كانت طريقي مستقيمة ولكن عندما تغلق ناحية كان علي أن أسوق حماري للناحية الأخرى لأن الأولى أغلقت، وتريد أن تصادره لأنه ملأ فمه بحشة شعير، أنا أعرف سيد هذه الناحية، هي تخص رئيس البلاط العظيم " رنسي بن مرو" وهو يتصدى لكل سارق في كل هذه البلاد، هل أُسرق في منطقته؟

قال نمتي نخت: أليس هذا هو المثل الذي يقوله الناس " بسبب سيده يذكر المرء الاسم الخايب"[7

أنا هو الذي يتكلم معك- رئيس البلاط- الذي ذكرته

وهنا أخذ غصن أخضر وراح يضربه على كل أعضائه وأخذ الحمار وساقه إلى ضيعته وبكي الفلاح كثيراً لأن ما حدث له كان سيئاً للغاية

قال نمتي نخت: أخفض صوتك يا فلاح، أنت في حضرة سيد الصمت![8

قال الفلاح: تضربني، وتسرق ممتلكاتي وتصادر شكوتي من فمي،[9 يا سيد الصمت، أعد لي أشيائي ولن أشكو ظلماً![10

وقضى الفلاح مدة عشرة أيام في التضرع لنمتي نخت الذي لم يعطه آذان صاغية

وذهب الفلاح جنوباً إلى " نني نسو" لعرض هذه الأحداث على رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو ووجده يتأهب للخروج من باب بيته متوجهاً إلى قاربه

قال الفلاح: ليتك تسمح بأن أحكي لك عن حادثة، سيكون من المناسب أن ترسل إلي خادمك الأمين

الذي ترسله للأمور المهمةوعليه ترك رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو خادمه الأمين يذهب إليه وأعاده الفلاح له بتقرير عن كل ما حدث ثم حكى رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو بما فعله تحوتي نخت لمجلس موظفيه، الذين كانوا في صفه

قالوا له: يحتمل أن يكون هذا الفلاح قد جاء لآخر من ناحيته. أنظر، تصرفك مع فلاحينك الذين يجيئون هنا بخصوص آخرين من نواحيهم. أنظر، هل الموضوع هو عقاب نمتي نخت من أجل حفنة نترون وحفنة ملح؟ إذا أمر بردها سيردها. وصمت رئيس البلاط، فلم يجب الموظفين ولم يجب الفلاح.

 

المرافعة  الأولى

ثم جاء الفلاح ليشكو لرئيس البلاط، قال:

يا رئيس البلاط، سيدي، عظيم العظماء ورئيس الجميع

عندما تبحر في بحيرة الحق فلتشرع سفينتك برياح ملائمة

ولا يتمزق لك شراع ولا تضل سفينتك ولا يحدث مكروه لساريتك ولا تتكسر عوارض ساريتك[11

ولا تغرق ولا تلمس القاع ولا يحتويك التيار ولا تجرب شر النهر ولا ترى وجهاً مخيفاً[12

ولتأتي إليك الأسماك الوديعة وتصطاد طائر سمين

لأنك أب اليتيم وأخ المطلقة وساتر من لا أم له

اسمح لي أن أعلي أسمك في هذه الأرض فوق كل قانون جميل![13

أيها الرئيس الخالي من الجشع، أيها العظيم المترفع عن الصغائر

أنت الذي يقاوم الجشع ويقيم العدل

الذي يأتي لصيحتي التي يرددها فمي

أنا ذا أتكلم، فاسمع: أقم العدل

أيها الممدوح والذي يمدحه الممدوحين

ارفع المعناة عني! فأنا مثقل بالهموم وبسببها أنا ضعيف

تفحصني، وانظر، أنا في بؤس

 

" قال الفلاح هذه المرافعة وكان ذلك في عصر ملك الوجة البحري والقبلي نب كاو رع، ومثل رئيس البلاط رنسي بن مرو أمام جلالته وقال: مولاي، لقد وجدت واحداً من هؤلاء الفلاحين الذي بحق يحسن القول. أشيائه سُرقت من قبل أحد رجالي الذي يعمل تحت إمرتي، أنظر لقد جاء إلي يشكو ذلك

قال جلالته: إذا كنت تريد أن تراني بخير فأبقيه هنا بدون الرد على ما يقوله لكي يُبقي على حديثه

ولكي يواصل حديثه عليك أن تصمت ولتأتينا كلمته مكتوبة لكي نسمعها، لكن اهتم بمتطلبات حياة زوجته وأولاده

أنظر، يأتي الواحد من هؤلاء الفلاحين إلى هنا عندما يكون منزله فاضي على الأرض، واهتم بمتطلبات حياة الفلاح نفسه، يجب أن تمده بالطعام بدون أن يعرف انك الذي تعطيه

وأمر بعشرة أرغفة وإنائين من البيرة يومياً، وقد أعطاها رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو لتابعه وهذا أعطاها له (للفلاح). وأرسل رئيس البلاط رنسي بن مرو إلى حاكم وادي النطرون من أجل تدبير الطعام لزوجة هذا الفلاح بمقدار ثلاث كيلات من الشعير يومياً

 

المرافعة الثانية

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية

قال: يا رئيس البلاط العظيم

سيدي، يا كبير الكبراء، يا أغنى الأغنياء

الكبير بين كبرائه، والغني بين أغنيائه

يا دفة السماء

يا سارية الأرض وخيط المطمار

أيتها الدفة، لا تسقطي

أيتها السارية، لا تميلي

يا خيط المطمار، لا تهتز

هل يأخذ السيد الكبير شيئاً من لا سيد له ويسرق العزل؟

كل ما تحتاجه موجود في بيتك، قدح من البيرة وثلاث أرغفة، والفتات التي توزعها تشبع من يسألونك

من يموت، يموت مع خدمه سويا

أتريد أن تكون من أهل الأبدية؟

أليس العار أن الميزان مائل

والمطمار مهتز

ومقيم العدل منحرف

أنظر هاهو العدل يرزح تحت ثقلك

مشرد من مكانه

فالمسئولون يتسببون في الويلات

وما يجب حسابه ينحى جانباً

والمحققون يقتسمون المسروقات

أي أن من عليه وضع الأمر في نصابه يحرفه

ومن عليه إعطاء الهواء(النفس) على الأرض يسلب الأنفاس

ومن يقوم بالقسمة سارق

ومن عليه مكافحة الفقر يزيده والبلد بلا حول تغرق في بحره

ومن عليه محاربة البؤس يتسبب في الكوارث

 

قال رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو: هل هذه الأشياء التي تخصك أحب لك من القبض عليك من قبل خدمي؟ [14

قال الفلاح: من يكيل مخزون القمح يختلسه لنفسه، والذي يكيل للآخر يسرقه

ومن عليه الحكم بالقانون يقود عملية النصب، من يقاوم الشر إذن؟

من عليه مكافحة البؤس يفعل العكس

ومن عليه الحزم يتواطئ

ومن عليه إنصاف الاخرين يظلم

متى تشعر بقبح العفو عن المجرم

ضع العمل الطيب في مكان الأمس وفقاً للمبدأ: كافئ من يصنع الخير لكي يصنع الخير وهذا معناه شكر المرء على ما يفعله

التريث قبل الاندفاع

وأن يكون لصاحب العمل عمل

وأيضاً لفت النظر إلى التخريب

خسائر في كرومك

نقص في دواجنك

تصحر في طيورك البرية

من يرى صار اعمى

من يسمع اصبح اصما

ومن يقود منقاد

أه يا سيدي، متى تعود لصوابك

تصرف كما يتوقع منك

أنظر، أنت شديد وقوي، لكن ذراعك متراخ وقلبك جشع

والرخاوة تمكنت منك

 

كيف يشكو الفقير الذي دمرته؟

أنت تشبه رسول من الإله سوبك

ولا تتجاسرعلى الفعل المشين بسبب سيدة الوباء

ما لا يجوز لها لا يجوز ضدها وضك

عندما تفعل لا تكن رخوا

للفقير هناك المعتدي الغاشم

وللمعدم يكمن لص متمرس

سرقة ممتلكات رجل فقير عمل مشين

أينبغى على عدم الصعود

ولكنك شبعت من خبزك وشربت بيرتك

أنت أغنى من هذه الاشياء

عندما ينظر الملاح للأمام فأنه يوجه السفينة حيثما يشاء

عندما يجلس الملك في قصره

وانت بيدك المجاف

سوف يحدث مكروه في منطقتك

السائل يحتاج لصبر طويل

والمعطى يجد صعوبة

ما هذا الساكن هناك

(قول مأثور: ما هذا الساكن هناك في العالم الآخر)

هكذا يقال

كن ملجأ ولتكن ضفتك آمنة

أنظر، ها هي مدينتك مرتع للتماسيح

لا تنطق الكذب، أحفظ الموظفين منه

سلة من البدناء والمتصنتين ومضفر بالأكاذيب

يا من تعرف هموم الناس

ألا تعرف قضيتي؟

يا من يكافح القحط

أنظر، ها أنا على الطريق بدون سفينة

يا من أنقذت البحار الغريق

انقذني عندما تدرك أن الوقت مناسب

 

المرافعة الثالثة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثانية

قال: يا رئيس

أنت رع

سيد السماء وسيد حاشيتك

ارزاق الناس منك

فأنت كالفيضان، أنت إله النيل حعبي

الذي يخضر المراعي والذي يحي الصحراء

أوقف السارق وأحم الفقير

فلا تكن كالطوفان ضد السائل

أحذر اقتراب الأبدية

وتمنى لنفسك الثبات

منى النفس تحقيق العدل

( حرفيا: هواء الأنف هو إقامة العدل)

عاقب من يستحق العقاب ولن يعادلك أحد في عدلك

هل يختل الميزان

هل يميل قائم الميزان

وهل تحوت متراخ

عندماتصنع الظلم فلتنصب نفسك رفيقا لؤلاء الثلاثة عندما يكونون في تراخ تراخ أنت أيضا

لا ترد الخير بالشر ولا تحل احدهم محل الآخر

 

أن توازن الأرض هو تحقيق العدل

فلا تنطق بالكذب لأنك عظيم

لا تكن خفيفا فأنت ذو ثقل

لا تقل الكذب لأنك الميزان

لا تخطئ لأنك الصواب

أنظر، أنت والميزان واحد، يميل بميلك

لا تنحرف عن الطريق المستقيم

عندما تقود الدفة وإلا أنقطع حبل الدفة

لا تسرف

عاقب السارق ، فهذا الجشع ليس عظيما

وليكن لسانك المؤشر المستقيم للميزان

والمثقال قلبك

وشفتاك ذراعي كفتاه

عندما تتجاهل المعتدي من يقاوم الشر إذن؟

 

أنظر، ها أنت ضعيف امام هذا الجشع، لكنه يفسد الصداقة

أنظر، أنت صقر البشر، الذي يفترس الطيور الضعيفة

أنظر، أنت طباخ يذبح أصدقائه ومع هذا فهو خالي من التشوهات

أنظر، أهتم بذلك

لا شيء سيء بالنسبة لي فأنك الخاسر أمام التمساح المفترس

الأمان منعدم في البلاد

أيها السامع لماذا لا تنصت

تٌرى... لماذا لا تسمع

منذ الأعتداء علي والتمساح ينتصر

متى تتعلم من ذلك؟

على المرء قول الحقيقة ورمي الأكذوبة على الارض

لا تجهز نفسك للنهار قبل مجيئه لأن المرء لا يعلم ما يحمله من سوء

فال الفلاح هذه الكلمات لرئيس البلط العظيم رنسي بن مرو وهو على باب قصره، فأرسل أثنين من خدمه بالسياط وقاموا بضرب الفلاح على كل أعضاء جسمه

هنا قال الفلاح

ابن مرو جُـن

أصم عما يسمعه

أعمى لا يرى

لا يذكر ما يذكر

أنك مدينة بلا حاكم

جماعة بلا ريس

سفينة بلا ربان

فيلق بلا قائد

أنظر، ها انت رجل شرطة لص

حاكم مرتشي

محافظ أصبح مثل أعلى للصوص كان عليه ردع السرقة

 

المرافعة الرابعة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الرابعة وقابله وهو يهم بالخروج من معبد الإله القابع على بحيرته

قال: أيها المكافأ، كافأك الرب" الذي على بحيرته" وأنت خارج من بيته

الخير ضاع، ولا أحد يعتز بطرح الكذب أرضاً

هل جاءت سفينة إلى هنا؟

بأي سيء يعبر المرء النهرعن أقامة الاحتفالات؟

أنعبر النهر مشياً؟ هل هذا جميل؟

من ينام لمنتصف النهار؟

اضطربت الحركةفي الليل واضطرب التحول في النهار

وسمح للرجل أن يسعى من أجل حقه الجميل

أنظر، ينبغي على المرء أن يقول باستمرار أن الرخاوة غمرتك

بائس هو حال الفقير، الذي خربت بيته

أنظر، أنت صياد فقد شجاعته، يتراجع عما نواه

الذي يصطاد فرس النهر بالحربة

الذي يطلق السهام على الثيران البرية

ويصطاد السمك بالسيخ ويمسك بالطيور

غير متعجل لا يسرع في الكلام وليس خفيفا من يفكر بنضج

كن متسامحا، وأظهر الحقيقة، أمتحن اختيارك، الذي أبقاك صامتا

يحضر المرء الشيء الذي تراه العينين ليسعد به القلب

لا تكن متكبر بسبب قوتك حتى لا تصل إلى الشر

ومن اجرم في حقي أطلق أثنين

الأكل يؤكل والممتحن يجاوب والنائم يرى حلما

وقاضي يعاقي هو مثل أعلى للمجرم

يا مهرج، انظر لقد أمسكت بك

يا جاهل، أنظر، أنت تمتحن

يا مرتاح الضمير، أنت مطلوب

أيها القائد، لا تسمح بالموت

أيها المدمر، لا تسمح بالدماء

أيها الظل لا تصبح ضوء

أيها الهارب لا تسمح بالسرقة

لرابع مرة أشكو إليك.. إلى متى سأبقى؟؟

 

المرافعة الخامسة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الخامسة

قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي

ان صائد السمك بالحربة يذبح اسماك أيو

وصائد السمك بالسيخ يقتل سمك أبوبو

وصائد السمك بالشباك يصتاد سمك بكرو

صيادي السمك يصحرون النهر

لا تسلب الصغير ممتلكاته، الضعيف الذي تعرفه

أنفاس الفقير ممتلكاته

ومن يسلبها يسد أنفه- يخنقه

لقد عينت لتسمع الشكوى، ولكي تفصل بالحق بين المتخاصمين

ولكي تطارد اللصوص

لكن أنظر، ما تفعل

أنت ملاذ اللص

المرء يثق بك لتكون سداً للفقير يحمية من الغرق

لكن ها أنت أكثر من البحر الجارف

" من يبحر مع الكذب لن يصل لليابسة"

 

المرافعة السادسة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة السادسة

قال: يا رئيس البلاط العظيم، يا سيدي

من يقضي على الغش يقيم العدالة

وكل من يقيم كل ما هو جميل يبيد الشر

وبلك يكون

كالشبع للجائع والرداء للعريان

والسماء الصافية بعد العاصفة الشديدة

جيث الدفء للبردانين

هو النار التي تنضج الطعام

كما هو الماء الذي يطفئ الظمأ

أنظر حولك

تجد فاعل الخير محض لص

 

حارس الأمن مشاغب

الوديع معذب

والنصاب يتفه العدل

أفعل هذا

لو حققت قدر من النجاح اعطي لخليفتك أيضا

وسيكون ثرثار بدون استقامة

شكاء يغري بالأبتعاد عنه

المحقق يتنازل قيل أن يعرف المرء ما يضمره القلب

لا تكن ثقيل الحركة، عندما توجه الاتهام وتحكم فيه

من رفع الميزان

أنظر، العمود انكسر.... وجاء السيل

عندما وترسو السفن وتفرغ حمولتها

يكون لك نصف الحمولة في كل ميناء

المرء يعلم أنك متعلم وماهر وكامل لكن ليس للسرقة

يجب أن تكن مثلا أعلى للناس

لكن المحيط حولك كله فاسد

كان عليك أن تكون مستقيما أمام كل الناس

فإذا بك شيخ منصر هذه البلاد

البستاني الشرير الذي يروي حديقته بالخطيئة

ستثمر بالاكاذيب وتغمر التعاسة حديقته

 

المرافعة السابعة

 

وجاء الفلاح إليه ليشكو للمرة السابعة

رئيس البلاط العظيم، سيدي

أنت الدفة لكل البلاد وبأمرها تبحر

أنت صديق تحوت، الذي يحكم بلا تحيز

سيدي، أسمح ان لي أن يحدثك رجل في قضيته

لا تكن مستاء، فهذا لا يليق بك

لا تمعن التفكير فيما لم يحدث بعد

ولا تبتهج بما لم يحدث بعد

الحليم يمد الحبال بالمحبة ويحل الأمر قبل أن يتعرف المرء على أفكاره

من يصطدم بالقانون ينفي طهارة اليد

لا يعيش الفقير المسروق بدون تحية الحقيقة

جوفي ممتلئ وقلبي مثقل

يبرز ما في جوفي تبعا لحالة الوضع لذا افتح فمي بالكلام

لقد فتحت سدي واخرجت مائي وأفرغت ما كان بجوفي وغسلت ملابسي

كلمتي أنجزت تعاستي أمامك، ماذا تنوي أن تفعل؟

خمودك ينتقم منك، جشعك أغباك، وطمعك يخلق لك الاعداء

أتريد أن تجد فلاح أخر مثلي؟؟

لن تجد سوى فروة نتنة تقف تشحذ على باب قصرك

لا يوجد صامت لا تحفزة حالة الصمت إلى الكلام، ولا يوجد نائم إلا وأيقظته ولن ينكسر وجدان حركته حالتك ولن يغلق الفم الذي فتح ولن يكون جاهل أنت علمته

هؤلاء بعض من ممارسي الشر

هؤلاء الموظفون الذين يمكلكون كل شيء طيب

أنهم ماهرون في النصب

الذين يعيدون تركيب الرأس بعد قطعها

 

المرافعة الثامنة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة الثامنة

قال: يا رئيس البلاط، سيدي

المرء يسقط بسبب الجشع

والطامع لا نجاح له

بلى، هو ينجح في الجشع

قلبك جشع، وهذا لا يليق بك

أنت تسرق وهذا غير مفيد

وإذا دعيت رجلا للدخول من أجل حقه فهذا عدل

حاجتك في منزلك، وبطنك ممتلئة والقمح ينتفخ ويعلوا ويفيض ويسقط على الأرض

حرامية... لصوص.... قطاع طرق... هم المسئولون، الذين عينوا للوقوف ضد الظلم ، لكنهم ملجأ للذين لا حياء لهم

لا يسمح الخوف منك أن تشكو لك، ألا تعرف قلبي

الصامت يولي وجهه

ولكن لا يخاف من حمل شكواه من أن يلتفت إليه

 

أملاكك الزراعية في الحقول، مرتبك عزبة، إرادك في مخزن الغلال

الموظفون يعطوك وأنت تأخذ

ألست حقا محض لص ؟

المرء يحضر إليك بينما العصابة عندك تقتسمون الأملاك الزراعية معا

حقق العدل لرب العدالة، الذي فعلا عدله عدلا

أنت القلم، ورقة بردي، لوح كتابة

احفظ نفسك من العمل الخبيث

 

كن طيبا

أيها الخير أنت طيب

أيها الخير أنت طيب حقا

لكن العدالة تدوم للأبد، فهي ترتفع مع مقيمها عاليا في مملكة الغرب الجميل(العالم الآخر) وسيدفن معها

ولا يمحى أسمه من على الأرض وسيذكره الناس بالخير

وهذا هو أساس كلمة الرب

كن ميزان لا يميل

كن ميزان لا يختل

إذا جئت أنا وغيري فلا ينبغي الأجابة عليه بلغة الصمت

أنت لا تعطني أي جزاء أمام الكلمات الجميلة التي تخرج من فم رع

قل الحقيقة وأقم العدل فهو عظيم وباقي

ستجزيك أمانتها بسعادة غامرة

عندما يهتز ميزان اليد وكفتاه اللتان تزنان الأشياء

لن تكون هناك نتيجة دقيقة

لا شر يصل يصل للهدف

والجميع سيواريهم التراب

 

المرافعة التاسعة

 

وجاء الفلاح ليشكو للمرة التاسعة

قال: يا مدير البيت العظيم، يا سيدي

ميزان الناس لسانها

وميزان اليد يختبر الباقي

انزل العقاب على من يستحق العقاب

فيتساوى العدل معك

عندما يرحل الكذب ستعود الحقيقةمرة أخرى إلى مكانتها

عندما تمر الأكذوبة تضل الحقيقة طريقها ولا تستطيع عبور النهر

من يغتني بالغش لا أولاد له ولا وارثين له على الأرض

من يبحر مع الكذب لا يصل إلى اليابسة

وهذه السفينة لن تستطيع أن ترسو في ميناء

لا تكن ثقيلا ولا خفيفا

لا تكن سريعا ولا بطيئا

لا تصرخ

لا تستجيب للقلب

لا تخفي وجهك عن ما تراه

لا تعمي عينيك عن ما تراه

لا تصدم من جاءك بل حاور

لا تكن متراخيا واعلن كلمتك

وافعل عندما تريد

لا تستجيب لكل إمريء فالمرء يعى في قضيته

لا أمس للمتراخ

لا أصدقاء للأصم عن الحقيقة

لا يوم سعيد للجشع

الشاكي اصبح حزين

والحزين بائس

والعدو إلى قتيل

أنظر، ها أنا أشكو إليك ولكنك لا تسمع

سأذهب وأشكوك إلى أنوبيس

 

وهنا يؤسل رئيس البلاط العظيم رنسي بن مرو أثنين من خدمه لإعادته  وخاف الفلاح فقد اعتقد أنهم خلفة من أجل عقابه ثانية على كلمته

هنا قال الفلاح: أمل العطشى الماء

ورضعة الرضيع اللبن

وما أود مجيئه لا يأتي

ها هو الموت يأتي بطيئا

هنا قال رئيس البلاط رنسي بن مرو

لا تخف يا فلاح، أنظر عليك بالبقاء

واقسم الفلاح القسم: اقسم أني أريد الاكل من خبزك والشرب من بيرتك إلى الأابد

قال مدير البيت العظيم رنسي بن مرو: أبق هنا حتى تسمع مرافعتك

وأرسل رئيس البلط العظيم رنسي بن مرو لجلالة ملك الوجه البحري والصعيد " نب كاو رع" وكان ذلك سار لقلب جلالته أكثر من أشياء أخرى في كل البلاد

هنا قال جلالته: قرر بنفسك يا بن مرو

وعليه أرسل مدير البيت العظيم رنسي بن مرو اثنين من خدمه لاحضاره (المسئول المغتصب تحوتي نخت)

الجزء الأخير من النص مفقود ولكن نفهم من بعض الكلمات أنه تم حصر عهدة تحوتي نخت ومصادرة أمواله لصالح الفلاح

---------------

 

هوامش:

[1]  المقصود من شعير الموسم الماضي

[2]  حكات: مكيال مصري أقرب للكيلة

[3  كانت البيرة المصرية تصنع بنقع خبز الشعير في الماء مع إضافة البلح للتحلية وتترك ليخمر ثم يصفى

[4]  من الممكن قراءة الاسم تحوتي نخت

[5]  المقصود أن يكون له قدرة سحرية

[6]  حرفياً: طريق كل الناس

[7]  بحنكة حرف المؤلف المثل الشعبي ليبدو وكأن الموظف يهزأ من حيلة الفلاح يإدعائه بمعرفة ذي النفوذ، فالمثل الشعبي القديم يقول:

" يذكر الاسم بسبب شخصيته" أي بسبب صاحب الاسم ومركزه

[8]  المقصود بسيد الصمت هو أوزير ، وكانت اهناسيا من الأماكن الهامة للعبادته

[9] "  تضربني وتحرم علي البكا"

[10]  الجملة تتسع لمعنيين الأول تضرع لأوزير والثاني السخرية من الموظف لمصادرة حق الصراخ ضد الظلم

[11]  حرفياً: ولا تتقطع لك " سجرجر" وهي الألواح العرضية المثبتة في الساري لدعم الشراع

 [12]متشفش وحش

[13]  حرفياً: دعني أكتب أسمك في مواجهة كل قانون والمعنى أن أسمه رمزاً للعدل ويفوق كل قانون

[14]  من الممكن ترجمة الجملة : أليس معنى ما تضمره في قلبك أن يقبض عليك خدمي؟


 
   

أخبر أصدقاءك عن هذا الموضوع

 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ