كانون أول / ديسمبر 2009


  الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها    
   

ميشال شماس

الدافع "الشريف" في قتل النساء؟


 

من جنوب سورية إلى شمالها، مسافة بعيدة تفصل بين ريف دمشق ومحافظة الحسكة، لكن القصة متشابهة، والحدث يتكرر مرة أخرى. والعنوان واحد هو القتل بذريعة "الدافع الشريف"

زهرة التي ذبحها شقيقها ورغم أن قاضي التحقيق بريف دمشق رأى أن أوراق الدعوى والتحقيقات الجارية تثبت قيام القاتل بذبح شقيقته بموسى كباس من عنقها، وطعنها في صدرها عدة طعنات، وأنه حضر إلى دمشق خصيصاً من أجل قتلها، وأنه اشترى وأعد سكيناً من أجل قتلها، وقام بسرقة مفتاح شقتها ونسخ عنه نسخة لأجل تنفيذ جريمته، وأنه تحين الفرصة حين غادر الرجال المنزل ليخلو له الجو فيقوم بجريمته.. وخلص قاضي التحقيق إلى أن ذلك يعني توفر عنصري التصميم المسبق على القتل وتهيئة الأداة القاتلة، وأن كل ذلك ينفي عنه وقوعه تحت أي تأثير فيما يسمى "الشرف"..ويجعل من فعلته تشكل جناية القتل العمد وفق المادة 535 عقوبات عام "..، غير أن محكمة الجنايات الثانية بريف دمشق كان لها رأي مخالف لقاضي التحقيق، فقررت تجريم القاتل بجناية القتل العمد قصداً بدافع الشرف وفق المادة (533) عقوبات عام بدلالة المادة (192) عقوبات، ومعاقبته لأجل ذلك بالاعتقال ثلاث سنوات.وللأسباب المخففة التقديرية تخفيف العقوبة إلى سنتين ونصف، تحتسب منفذة من خلال مدة توقيفه، وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بجرم آخر.وتغريمه مبلغ مليون ليرة سورية توزع على الورثة حسب الحصص الشرعية. تقتطع منها حصة والده ووالدته لتنازلهما عن حقهما الشخصي"..

والأمر نفسه يتكرر مرة أخرى لكن هذه المرة في محافظة الحسكة بقضية الفتاة" ر.ع" التي قتلها والدها بطريقة همجية، هذه الجريمة التي هزت حي الكلاسة في محافظة الحسكة نظراً لبشاعتها ودمويتها. فالأب الذي اعتاد على ضرب وامتهان زوجته وابنته لم يكن ليقبل فكرة فرار ابنته من البيت لساعات قليلة هرباً من معاملته القاسية، فعلى الرغم من فحصها لدى عودتها عدة مرات لدى طبيبات نسائية أكدن له بأنها عذراء، وتأكيد محضر الكشف القضائي والطبي بأنها عذراء وأن غشاء البكارة سليم ولا يوجد أي آثار أو علامات تدل على ممارسات جنسية، إلا أنه وبعد أيام من عودة ابنته إلى البيت أقدم على ضربها بمهدّة حديدية قبل أن يجز عنقها بسكين كان قد حضّرها لهذه الجريمة. ولم تنفع محاولات الجوار ووالدتها إنقاذها.

وكما فعل قاضي التحقيق في ريف دمشق بقضية زهرة وجرم الجاني بجناية القتل العمد، فعل أيضاً قاضي التحقيق في الحسكة الأستاذ سالم الصياح ، حيث اعتبر أن المجرم في قضية (ر0ع) " حضّر لقتل ابنته وكان هادئ البال طيلة عودتها إلى المنزل بعد هربها منه. واستغل الصباح الباكر كون جميع الجوار نياماً حتى يتمكن من الإجهاز على الضحية رغم معرفته أن ابنته عذراء. وتأكد ذلك من خلال الخبرة الطبية الثلاثية التي كشفت على الضحية الأمر الذي دفعه لنفي وجود أي دافع شريف.خاصة وان باعث الفتاة على الهرب كان سوء المعاملة التي تتلقاها من الوالد نفسه, وانه ليس لها أية مشكلات أخلاقية أوعلاقات غرامية مع أحد. مما يعني أن فترة غيابها عن المنزل لا تشكل الدافع الشريف. الأمر الذي يتوجب معه توجيه تهمة القتل العمد عن سبق الإصرار والتصميم.

فهل تأخذ محكمة الجنايات في الحسكة بقرار قاضي التحقيق، وتعتبر أن ارتكاب تلك الجريمة قد تم عمداً وعن سبق الإصرار والتصميم. وتنتصر للعدالة وتوجه رسالة قوية إلى أولئك القتلة الذين يحتمون بمظلة الدافع الشريف ويستسهلون قتل النساء من خلال الاختباء خلف المادة 192 من قانون العقوبات السوري ؟ أم .....

نقول للمرة الألف أنه لم يكن لتلك الجرائم أن تحدث في سورية لولا اعتقاد القتلة من أنهم قادرون على الإفلات من العقوبة من خلال استفادتهم من أحكام قانون العقوبات نفسه والفهم الخاطئ لمفهوم الدافع الشريف في المادة 192 التي نصت :( إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً قضى بالعقوبات التالية:ـ الاعتقال المؤبد أو الخمس عشرة سنة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة.ـ الاعتقال المؤقت بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة.ـ الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل.وللقاضي فضلاً عن ذلك أن يعفي المحكوم عليه من لصق الحكم ونشره المفروضين كعقوبة."

ونص أيضاً على العذر المخفف في المادة 548 المرسوم 37 لعام 2009 التي نصت: (المادة 1- تلغى المادة (548) من قانون العقوبات ويستعاض عنها بالنص التالي..يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.(

فأي شرف هذا الذي يبيح للرجل قتل ابنته أو زوجته أخته لمجرد أنها رفضت الخنوع له، أو تمردت عليه أو أحبت، أو أنها تزوجت من خارج عشيرتها أو طائفتها..! أليس للمرأة شرف.؟ أم أنه ملكية أبدية للرجل الذي حولها إن كان أخاً أو أبا أو زوجاً أو ربما كان قريباً إلى ما بعد الدرجة الرابعة؟ وهل شرف المرأة يقتصر على جسدها، أو على حركة مثيرة أو مريبة منها أو لمجرد الشك في سلوكها.؟ وهل يملك ذلك الرجل الذي يسرق أو يرتشي أو يروج للمخدرات بين أبناء وطنه شرفاً عندما يستل سيفه ليقطع عنق امرأة تحت ستار الدفاع عن شرفه محتمياً بمظلة المادة 548 تارة والمادة 192 تارة أخرى.!؟

فإلى متى تبقى المرأة ترزح تحت وطأة مفاهيم وعادات وقوانين تنتقص ليس من كرامتها وحسب، بل وتجعل من الرحل عبداً لها؟ وإلى متى يبقى سيف الرجل مسلطاً على عنقها متى شاء استله تحت ستار الشرف.!؟ وأي "شرف" هذا الذي يبيح قتل امرأة من قبل رجل، الذي لولا احتضانها له في رحمها تسعة أشهر لما خرج إلى الحياة.!؟ وإلى متى تبقى زوجاتنا وأمهاتنا وشقيقاتنا وبناتنا ضحية التطبيق الغلط لمفهوم الدافع الشريف وربطه بتلك العادات والتقاليد التي مازلنا نتوارثها منذ أيام الجاهلية ونحميها بمجموعة من القوانين؟

بالتأكيد لسنا مع الفجور أو الابتذال الأخلاقي ، ولكننا مع حفظ الكرامة الإنسانية للرجل والمرأة معاً وصون شرفهما الإنساني في إطار من الاحترام المتبادل والعدالة الإنسانية دون تمييز أو تحيّز على ما نصت عليه في المادة 25 من الدستور السوري : ( 1ـ الحرية حق مقدس وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية وتحافظ على كرامتهم وأمنهم 2ـ سيادة القانون مبدأ أساسي في المجتمع والدولة3 ـ المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات4 ـ تكفل الدولة مبدأ تكافؤ الفرص بين الموطنين.


أرسلوا هذه الصفحة للأصدقاء

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

عودة إلى صفحة المجتمع

   

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ