آذار / مارس 2009   الآراء المنشورة في هذه المجلة لا تعبر بالضرورة عن حقائق نهائية. لذا تتعهد الإدارة بنشر  ما يردها من القراء حولها    
 
 
 
 
 
 

 

 

د. عمار بكار

عندما يلقي أوباما خطابه

على منبر "يوتيوب"


 

إذا كان المحللون السياسيون يقولون إن أوباما وصل إلى البيت الأبيض من خلال معركة "افتراضية" قادها على الإنترنت ضد خصمه جون ماكين حيث ركز بشكل غير مسبوق في تاريخ السياسة على أدوات الإنترنت لكسب قلوب الناخبين، فإن أوباما بالتأكيد أطلق أيضا من خلال خطابه الموجه لإيران بمناسبة عيد النيروز ما سمي بـ"ديبلوماسية يوتيوب" وذلك عندما استخدم موقع يوتيوب لتوجيه رسالته للشعب والحكومة الإيرانية.

 

ليس المقصود برسالة على "يوتيوب" أن يراها فقط زوار الموقع، بل إن الأهم هو تداول الناس الرابط الذي يحمل الفيديو عبر البريد الإلكتروني ومجموعات النقاش وغيرها، والذي يحصل كلما كانت هناك مادة مثيرة للاهتمام، وهذا عادة ما يحقق النجاح فعلا، الأمر الذي حصل في حالة فيديو أوباما الذي شاهده مئات آلاف الأشخاص واستقبل آلاف التعليقات بعد أيام من بثه.

 

الميزة الأخرى التي يحملها فيديو قصير على الإنترنت (استمر خطاب أوباما 3 دقائق و35 ثانية وتم نشره على قناة "البيت الأبيض" على موقع يويتوب) هي طابعها الشخصي حيث يتحدث الشخص مباشرة إلى مشاهد شاشة الكمبيوتر، وذلك له تأثيره القوي وخاصة عندما يستخدم الرئيس الأمريكي عبارات إيجابية نحو الإيرانيين لأول مرة منذ سنوات طويلة مثل ثنائه على التراث الإيراني ومثل استخدامه اسم إيران الكامل "الجمهورية الإسلامية الإيرانية".

 

وبعيدا عن الأبعاد السياسية لهذا الخطاب، فإنه بلا شك أطلق عهدا جديدا من استخدام الإنترنت لتوجيه الخطابات السياسية بعد استخدام الإذاعة والصحافة والتلفاز، وإن كان استخدام الإنترنت سيكون أكثر تأثيرا من باقي وسائل الإعلام لانتشاره وتفاعليته وإمكانية مشاهدة الرسالة في أي وقت وفي أي مكان في العالم.

 

كثيرون استخدموا "يوتيوب" خلال السنوات الأخيرة الماضية في حملاتهم الانتخابية، وإن كان أوباما أبرزهم لأن حملته الإلكترونية كانت عالية التنظيم وأسهمت في وصوله إلى البيت الأبيض، كما أن آخرين خسروا الانتخابات بسبب يوتيوب حين تم تسريب لقطات فيديو غير مصرح بها إلى الـ "يوتيوب" لتفضح السياسيين ويخسروا بسببها انتخاباتهم مثل خسارة الجمهوريين سيطرتهم المطلقة على ولاية فرجينيا بسبب لقطات أسهمت في فوز المرشحين الديمقراطيين في انتخابات مجلس الشيوخ في عام 2006م، وكما حصل لماكين الذي كان يتحدث عن قصف إيران ضمن نكتة مع أحد المشاركين في التجمعات الانتخابية في عام 2007م.

 

هذا ما خلق في فن الحملات الانتخابية السياسية مصطلحا جديدا حول استخدام "يوتيوب" في السياسة هو YouTube-ification of Politics، كما أن "يوتيوب" عينت مديرا على مستوى عال منصبه هو "مدير الأخبار والسياسة"، وكانت اللحظة اليوتيوبية الحاسمة في التأثير السياسي عندما أشرفت قناة CNN في عام 2007م على مناظرة انتخابية للحزب الديمقراطي من خلال "يوتيوب" تمكن من خلالها المشاركون من طرح أي أسئلة يريدونها من خلال التعليقات على موقع يوتيوب الذي قام ببث المناظرة الانتخابية.

 

لكن التأثير السياسي الأهم لـ "يوتيوب" يأتي من خلال آلاف الفيديوهات السياسية التي يخترعها أفراد عاديون يتمتعون بالإبداع الذي يدفع ملايين الناس لمشاهدة تلك الفيديوهات والتأثر بها، والذي يعني في النهاية أن الفرد العادي صار يمكنه من خلال "يوتيوب" أن يطلق رسالته السياسية ويؤثر في مجرى الأحداث كما لم يحصل من قبل في تاريخ الحملات الانتخابية مما دفع عددا من كبريات وسائل الإعلام العالمية لتسمية حملة الانتخابات الأمريكية في 2008م بـ"انتخابات يوتيوب".

 

عام 2009م شهد ولادة الحملات السياسية الخارجية على "يوتيوب" من خلال خطاب أوباما للإيرانيين، وهذا يعني أن بعدا جديدا للإنترنت قد بدأ حين تبدأ الحكومات باستخدامه لتوصيل رسالتها للحكومات والشعوب الأخرى عندما تسوء العلاقات ويتعذر اللقاء المباشر، وعندما تستخدم التعليقات في المواقع لتوصيل رسائل معينة للجمهور.

 

الميزة الرائعة لهذا التغير أن كل الدول يمكنها استخدامه بالطريقة نفسها بالتأثير المحتمل نفسه، فخامنئي مثلا يمكنه أن يرد على أوباما ويوجه خطابه للشعب الأمريكي، وقد يشاهده العدد نفسه من الجمهور إذا كان خطابه مثيرا فعلا.

 

التكنولوجيا صارت جزءا من الحوار السياسي داخل الدولة الواحدة وبين الدول عموما، وهذا يعني هجرة الخطاب السياسي إلى عالم يحكمه "المستخدمون" وتسوده "المواقع الكبرى" ويعشق سكانه "الفيديوهات القصيرة" والتعليق على كل ما يشاهدونه ويقرؤونه شريطة جذب انتباههم.

 

 

عودة إلى الصفحة  الرئيسية

عودة إلى صفحة السياسة

   

حقوق النشر محفوظة للقارئة والقارئ