العدد 1 - أيلول / سبتمبر  2008

 


 

سوط يجلد الأمة

راجح الخوري


 

تلك الصورة المروعة. وما اكثر ما يرسم الاقتتال الفلسطيني من الترويع منذ تم دفن حلم الدولة الفلسطينية بواقع الحروب والتصفيات التي تدور بين قطاع غزة والضفة الغربية!

تلك الصورة المروعة. ولا نقصد صورة الاقتتال في حي الشجاعية ولا صورة القتلى هناك الذين سقطوا نتيجة الهجوم الذي شنته "حماس" ضد عائلة حلس وانصار حركة "فتح" بعد اتهامات لهؤلاء بانهم نفذوا الانفجارات على الشاطئ.

لا صورة الاقتتال ولا صورة القتلى. بل صورة ذلك الصف من انصار "فتح" يقفون عراة ومعصوبي الاعين في "حراسة" جنود الاحتلال، بعدما سمحت سلطات العدو الاسرائيلي لهم بالعبور من غزة وقد فروا هربا من المطاردة التي نفذتها "حماس" ضدهم.

تلك الصورة المروعة. وبأكثر من مغزى ومعنى وعبر اكثر من ايحاء:

 اولا: ان يبحث الفلسطيني بعد كل هذا التاريخ من المآسي عن الرأفة عند جلاديه الاسرائيليين. وهو يهرب من شقيقه الفلسطيني الآخر المجلود هو ايضا بوحشية الاحتلال.

 ثانيا: ان يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزرائه سلام فياض قد اضطرا الى الطلب من اسرائيل السماح لنحو 200 من افراد "فتح" بالفرار اليها بعد المواجهات الدامية بين "حماس" وعائلة حلس في غزة التي سقط فيها 11 قتيلا واكثر من مئة جريح!

 ثالثا: ان يقرأ العرب تصريح نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي حاييم رامون الذي حرص على ان يبرم السكين في جروح الوجدان الفلسطيني والعربي بالقول: "ان المساعدة التي قدمت الى ناشطي "فتح" لا تشكل انتهاكا للتهدئة التي تم التوصل اليها بين "حماس" واسرائيل في 19 حزيران الماضي بوساطة مصرية". إذاً التهدئة مع العدو والقتال الدموي بين الاشقاء الضحايا!

 رابعا: ان تضطر مصر الى التوسط مع "حماس" كي لا تعتقل الذين أمرهم محمود عباس بالعودة الى غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية، ورغم هذا يتم اعتقال البعض منهم.

 خامسا: ان تكون "حماس" قد تساوت مع "فتح" في انتهاج سياسة التهدئة مع اسرائيل ورغم هذا يبلغ التنافس على النفوذ (واي نفوذ؟) حد الاقتتال وإراقة الدماء.

 سادسا: ان يقرأ المواطن العربي ان القيادي في "فتح" احمد حلس الذي يعالج الآن في اسرائيل بعد اصابته في غزة، هو صديق قديم لقائد "حماس" العسكري احمد جبري وكانا معتقلين معا في سجن اسرائيلي في السابق.

 سابعا: وهو الادهى ان تلتقط اسرائيل هذه المناسبة المعيبة لتقدم للوجدان العربي الممزق اصلا تلك الصورة المروعة. شبان فلسطينيون عراة ومعصوبو الاعين يلقون "الرأفة" منها وقد هربوا من بطش قد يلقونه على ايدي اشقائهم في غزة.

لا تريد اسرائيل من وراء تعميم هذه الصورة تعميق الاثم الذي يغرق وجدان الفلسطينيين والعرب فحسب، بل محاولة محو صور الآثام والفظاعات الاسرائيلية من الذاكرة الفلسطينية والعربية والدولية، عبر الايحاء بانه مهما تكن قد فعلت فانها تملك من الرأفة ما يجعلها ملاذا للفلسطيني من بطش اخيه الفلسطيني.

اذاً، يا للخيبة مرة اخرى. ويا للعار تكرارا. فمن المحيط الى الخليج كان الاحساس الضمني خانقا تماما. لم تكن تلك صورة الشبان الفلسطينيين يلوذون عراة بالرأفة عند اعدائهم هربا من اشقائهم، بل كانت صورة سوط يجلد تاريخا كاملا من المآسي والتضحيات المتصلة بالقضية الفلسطينية ويجلد وجدان الامة.

سوط يجلد الشهداء والجرحى منذ 60 عاما. يجلد الآلام واللاجئين والمشردين. يجلد المخيمات والقصائد والاغنيات. يجلد السجناء في كنف التعذيب. يجلد الخطب والتصريحات والاحلام والتعليقات والدموع والمآسي والنضالات.

سوط يجلد الدموع والدماء. سوط يمزق ما تبقى من وجدان الامة... فيا للهول.

 


 
   

شارك برأيك في هذا الموضوع

 

 
 

 

 

 

 

يبحث الفلسطيني بعد كل هذا التاريخ من المآسي عن الرأفة عند جلاديه الاسرائيليين.

 

 

 

 

 

 

تساوت "حماس" مع "فتح" في انتهاج سياسة التهدئة مع اسرائيل

 

 

 

 

 

 

شبان فلسطينيون عراة ومعصوبو الاعين يلقون "الرأفة" من إسرائيل  وقد هربوا من بطش قد يلقونه على ايدي اشقائهم في غزة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

un compteur pour votre site